-- سلايدر --سياحة و سفر

توثيق طريق الحج النبوي.. مشروع أكاديمي يحيي المسار التاريخي ويعزز الذاكرة الجماعية

في خطوة علمية كبيرة، انطلق أكاديمي سعودي في مشروع ضخم يستهدف توثيق طريق الحج النبوي، الذي سلكه النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلال حجة الوداع.

المشروع، الذي يحمل اسم “درب الأنبياء.. طريق الحج النبوي”، يشمل رحلات استكشافية ميدانية بدأت في مايو 2003م، بهدف تتبع المسار التاريخي للحج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة.

وباستخدام تقنيات رصد حديثة مثل أنظمة المعلومات الجغرافية والملاحة، يسعى المشروع لتوثيق الأحداث التاريخية المرتبطة بهذا الطريق الهام.

على مدار أكثر من عقدين من الزمن، قام البروفيسور عبدالله القاضي بتنفيذ أكثر من 80 رحلة استكشافية لاستكمال هذا المشروع العلمي الذي يتضمن مجموعة من المراحل المختلفة.

بدأ المشروع بتوثيق درب الأنبياء، وهو الطريق الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم خلال سفره في حجة الوداع، ليشمل التوثيق الجغرافي والمعرفي للمحطات التي توقف عندها الركب النبوي.

البحث الميداني واستكشاف الطريق

اعتمد المشروع في تنفيذ أعماله على رحلة علمية متكاملة، توثق كافة محطات الرحلة النبوية. حيث بدأ البروفيسور القاضي دراساته من المدينة المنورة، تحديدًا من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، وصولًا إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة.

وتوثق الرحلات مراحل الحج بدءًا من مغادرة النبي المدينة المنورة إلى ذي الحليفة، مرورًا بمناطق مثل السيالة والرويثة والأبواء، وصولًا إلى محطات أخرى مثل الجحفة و قديد وعسفان.

تقدم الرحلة النبوية العديد من المحطات التي تحمل دلالات تاريخية ودينية عميقة، وقد قام المشروع بتوثيق كل محطة على حدة باستخدام تقنيات الرصد الحديثة، مثل أجهزة تحديد المواقع GPS والصور الجوية لتوثيق المعالم.

وفي كل مرحلة، يشرح المشروع بدقة كيف سلك الركب النبوي الطريق الذي يتجه عبره الحجاج إلى مكة، مما يساعد في إثراء المعرفة الإسلامية بالتاريخ الجغرافي والروحي لهذه الأماكن.

استكشاف المحطات الأساسية

في اليوم الثالث من الرحلة، وصل الركب النبوي إلى “السقيا” والتي تُعرف أيضًا بـ”القاحة”، حيث استراح الركب ليواصل بعدها السير نحو “الأبواء”، وهي أولى المحطات الكبرى على الطريق.

كما وثّق المشروع وصول الركب إلى “الجحفة” في اليوم السادس من الرحلة، ثم مرّ عبر “قديد” وعسفان، ليصل في اليوم العاشر إلى مرّ الظهران، محطته التالية قبل أن يستمر إلى مكة المكرمة عبر محطة طوى.

كما يستعرض المشروع رحلة الحج النبوي وفقًا للروى التاريخية التي وثّقها المؤرخون المسلمون، حيث يذكر الإمام البخاري في صحيحه العديد من المساجد التي كانت على الطريق، مثل مسجد قباء في المدينة المنورة، والمسجد الذي يقع بالقرب من الجحفة، وهو ما يضيف بعدًا تاريخيًا ودينيًا للمشروع.

التوثيق الجغرافي والمعرفي

واحدة من أبرز ملامح المشروع هو استخدامه للمصادر الجغرافية القديمة مثل الخرائط التاريخية، بالإضافة إلى الاستعانة بمعرفة السكان المحليين الذين ورثوا قصصًا عن معالم الطريق عبر الأجيال.

وقد اعتمد المشروع على العديد من “المرشدين” المحليين الذين قدموا رؤى قيمة حول المواقع التي كانت جزءًا من رحلة الحج النبوي.

المشروع لا يقتصر فقط على توثيق المسار الجغرافي للطريق، بل يمتد ليشمل شرحًا تاريخيًا وفنيًا عن الحج قبل وبعد الإسلام، كما يعرض الطرق العالمية التي كان يسلكها الحجاج، ويفصل في تفاصيل الأسواق التي كانت تعج بالتجارة والمناسبات الدينية خلال فترة الحج.

أهمية المشروع في الزمن المعاصر

يعتبر هذا المشروع من أهم المبادرات التي تجمع بين العلم والروحانية، حيث يعمل على الحفاظ على الذاكرة التاريخية الخاصة بالحج النبوي، ويوفر للمجتمع الإسلامي والعالمي فرصة فريدة لفهم وتقدير التراث الإسلامي.

ومن خلال الاستفادة من أحدث التقنيات الجغرافية والتاريخية، يسهم المشروع في تعزيز الروابط الثقافية والدينية بين المسلمين، ويقدم رؤية واضحة عن الرحلة التي تمثل واحدة من أعظم الأحداث في تاريخ الإسلام.

بينما يستمر العمل على استكمال هذا المشروع، يتوقع أن يضيف الكثير من المعلومات القيمة التي ستساعد في فهم أعمق لتاريخ الحج النبوي، ودوره في تشكيل الهوية الإسلامية، كما سيعزز من التوثيق العلمي للمسارات التاريخية ذات الأهمية الدينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى