منوعات وترفيه

“النونية الكبرى” للملاح العُماني أحمد بن ماجد تُخلَّد في ذاكرة العالم بوصفها إرثًا وثائقيًا عالميًا

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” المخطوطة العُمانية الشهيرة “النونية الكبرى” ضمن برنامج ذاكرة العالم، لتكون بذلك ثاني مخطوطة عُمانية تنال هذا الشرف بعد أن أثبتت أهميتها التاريخية والعلمية على المستويين الإقليمي والدولي.

جاء هذا الاعتراف الدولي تتويجًا لقرون من المعرفة المتراكمة التي سجلها الملاح العُماني البارز شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد السعدي، الذي وُلد على ساحل عُمان عام 1421 وتوفي عام 1500، وترك وراءه إرثًا غنيًا لا يزال يُدرس ويُحتفى به حتى يومنا هذا.

حملت “النونية الكبرى” في طياتها علمًا ومعرفة تتجاوز حدود الزمن، حيث وثقت بوضوح ودقة حركة السفن وطرق الشحن في العصور البحرية القديمة، وقدّمت للباحثين والمهتمين بعلوم البحار نافذة فريدة لفهم البيئة الملاحية التي كانت سائدة في العصور الإسلامية الذهبية.

ومن أبرز إنجازات المخطوطة أنها تجاوزت المفهوم التقليدي لتقسيم الكرة الأرضية، إذ أضاف أحمد بن ماجد في نونيته سبع مناطق جديدة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، مكملًا بذلك الجهد العلمي السابق الذي اقتصر على النصف الشمالي.

هذه الإضافة لم تكن مجرد تصحيح للمعلومات الجغرافية السائدة آنذاك، بل كانت بمثابة فتح علمي أعاد رسم صورة الأرض الملاحية في وعي البحارة والمستكشفين لقرون لاحقة.

احتلت المخطوطة مكانة فريدة في التراث الإنساني، كونها لا تقدم فقط معلومات ملاحية بحتة، بل ترسم أيضًا مشاهد حية للمجتمعات والشعوب التي التقاها المؤلف وطاقمه الملاحي خلال رحلاتهم الطويلة.

وصفت “النونية الكبرى” بدقة البيئات البحرية التي أبحرت فيها السفن العُمانية، بما في ذلك أنواع الكائنات البحرية، من حيتان وثعابين وشعاب مرجانية، فضلًا عن الأساليب المستخدمة في إرساء السفن والتعامل مع التيارات والمد والجزر، ما يجعلها مصدرًا غنيًا لفهم التفاعل بين الإنسان والبحر في حقبة من أهم مراحل التاريخ الملاحي العربي.

ويُعد إدراج هذه المخطوطة ضمن برنامج ذاكرة العالم خطوة استراتيجية من قبل “اليونسكو” للحفاظ على التراث الوثائقي من التدهور والضياع، خاصة في ظل التهديدات التي تواجهها الوثائق القديمة حول العالم، سواء بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية، أو بفعل العوامل الطبيعية مثل الحرارة والرطوبة، هذا البرنامج الذي أُطلق عام 1992 يهدف إلى توثيق وحماية الوثائق ذات الأهمية العالمية التي ساهمت في تشكيل وعي البشرية ومساراتها الثقافية والعلمية، ويشكل بمثابة خزينة عالمية لذاكرة الإنسان الجماعية.

عُرفت عُمان عبر تاريخها الطويل بدورها الرائد في الملاحة والتجارة البحرية، حيث كان البحارة العُمانيون من أوائل الذين جابوا المحيطات والبحار ووصلوا إلى سواحل شرق إفريقيا والهند والصين.

وتُجسد “النونية الكبرى” هذا الدور المحوري لعُمان في ربط الشرق بالغرب، وتُعد دليلًا دامغًا على تقدم العرب في علوم البحر، وهو ما يجعل إدراجها في ذاكرة العالم ليس فقط تكريمًا لعُمان، بل احتفاءً عالميًا بعصر عربي كان فيه العلم والمغامرة صنوان لا يفترقان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى