هولندا تتحدى الطبيعة وتحوّل الأراضي المنخفضة إلى نموذج عالمي

يعكس اسم “هولندا” الرسمي المعروف بمملكة الأراضي المنخفضة واقعًا جغرافيًا استثنائيًا، إذ تقع نصف مساحة هذا البلد تحت مستوى سطح البحر، بينما تغطي المسطحات المائية نحو 40٪ من أراضيه، وهو ما فرض على سكانه مواجهة دائمة مع البحر، وتحول إلى دافع لتأسيس أحد أعقد النماذج الهندسية والبيئية في العالم الحديث.
نفذ الهولنديون مشروعات ضخمة للسيطرة على المياه وضمان الحياة على أرض معرضة للغرق الدائم، حيث أنشأوا منظومة دلتا التي تتألف من سلسلة سدود وحواجز وقنوات، تُصنف ضمن عجائب العالم الحديثة بسبب تعقيدها الهندسي ودقتها التشغيلية، كما طوروا نظام البولدير الذي يقوم على استصلاح مساحات من البحر وتحويلها إلى أراضٍ زراعية وسكنية، يتم التحكم في منسوبها عبر شبكة ضخمة من المصارف والبوابات الهيدروليكية المتقدمة.

ساهمت هذه البنية الفريدة في تحويل التهديد المائي إلى مورد اقتصادي ضخم، حيث تُعد هولندا ثاني أكبر مصدر للمنتجات الزراعية عالميًا رغم صغر مساحتها، ويرجع ذلك إلى استغلالها المثالي للتربة المستصلحة من البحر والبنية التحتية المتطورة التي تدير مواردها بدقة عالية، كما دعمت هذه المشروعات وجود موانئ بحرية عملاقة مثل ميناء روتردام، الذي يعد من أكبر موانئ أوروبا والعالم، ويشكل شريانًا أساسيًا في التجارة الدولية.
انعكست العلاقة الدائمة مع الماء أيضًا على النسيج الثقافي والمعماري للمجتمع الهولندي، إذ تنتشر القنوات في المدن الكبرى وتندمج مع الشوارع والمنازل المحاطة بسدود، وظهرت ملامح معمارية تُراعي التغيرات المناخية ومخاطر الفيضانات بشكل دائم، في حين تحولت الثقافة المحلية إلى نموذج يوازن بين الاستدامة والاحتياط.
يحمل اسم الدولة الرسمي دلالة صريحة على هذا الواقع، إذ تُعرف عالميًا باسم مملكة الأراضي المنخفضة، ويُدرس النظام الهولندي لإدارة المياه في جامعات ومعاهد دولية باعتباره مثالًا نادرًا على التكيف مع الطبيعة وتوظيفها لصالح الإنسان، كما تُصنف هولندا ضمن أكثر الدول تقدمًا في مجالات التخطيط الحضري، والتنمية المستدامة، ومقاومة تغير المناخ.
المصدر: Motivation Quotes





