ترميم حنايا تونس.. إحياء التاريخ بعد عقود من الإهمال
تعمل السلطات التونسية حاليًا على ترميم شبكة “الحنايا” التاريخية، التي تمتد على نحو 132 كيلومترًا وتعد من أبرز المعالم الأثرية في البلاد.
تعتبر الحنايا شبكة سواقي قديمة كانت تستخدم لنقل المياه في العهد الروماني، إلا أن الإهمال قد طالها في الأعوام الأخيرة، ما دفع إلى بدء مشروع ترميم كبير يهدف إلى الحفاظ عليها وتجديدها.
إحياء التاريخ بعد عقود من الإهمال
شيدت الحنايا في تونس في القرن الثالث عشر الميلادي، خلال العهد الروماني، وأصبحت مع مرور الزمن جزءًا من التراث الثقافي والمعماري للبلاد.
وعلى الرغم من كونها تعتبر كنزًا أثريًا يجذب السياح والمواطنين على حد سواء، تعرضت الحنايا في السنوات الأخيرة لعدد من التعديات، وهو ما أثار استياءً عامًا من فقدان هذا المعلم التاريخي الهام.
في خطوة لحماية هذه الشبكة المائية الفريدة، أطلقت وزارة الثقافة التونسية، تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، مشروع ترميم حنايا باردو، بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث.
وأوضح البيان الذي نشرته الوزارة عبر منصاتها الإعلامية، أن عملية الترميم قد بدأت بشكل استعجالي في إطار سعيها للحفاظ على المعالم التاريخية في تونس.
تحديات كبيرة في سبيل الحفاظ على المعلم
لقد عانت الحنايا على مر السنين من عدة مشاكل، كان أبرزها الاعتداءات على بعض أجزاء منها، إضافة إلى حالة التدهور التي مرت بها بعد الفيضانات التي شهدتها محافظة ابن عروس في 2018، فقد قامت بعض العائلات التي أقامت قرب الحنايا بهدم جزء منها، في خطوة أثارت جدلًا كبيرًا بين مختلف القوى السياسية في تونس.
وعلى الرغم من إدانة السلطات لهذا الفعل، إلا أن بعض الحركات السياسية كانت قد دافعت عن هدم الحنايا من أجل تحسين الوضع العمراني في المنطقة.
وفي سياق المشروع الحالي، صرح منتصر جمور، محافظ مدينة تونس، بأن عملية ترميم الحنايا قد بدأت منذ عام 2019، وقد تم تقسيم العمل إلى عدة مراحل، على أن يُعطى الأولوية للأجزاء الآيلة للسقوط.
وأضاف أنه يتم التركيز في المرحلة الأخيرة من المشروع على إصلاح الأجزاء العلوية للأقواس الحاملة لقنوات المياه والأعمدة الضخمة المصنوعة من الحجر.
وأوضح أن أعمال الترميم تتم باستخدام مواد بناء طبيعية، مثل الحجر الطبيعي والآجر التقليدي المصنوع من الطين، وذلك للحفاظ على الأصالة التاريخية للمعلم.
صمود الحنايا عبر العصور
على الرغم من التحديات التي واجهتها الحنايا على مر العصور، بما في ذلك الغزوات والاستعمار الفرنسي الذي دام لعدة عقود، إلا أن هذه الشبكة المائية تمكنت من الصمود والتكيف مع مختلف الظروف. وهذا ما يجعل الحنايا في تونس معلمًا أثريًا فريدًا، يستحق الحفظ والتوثيق.
تعود فكرة إنشاء الحنايا إلى عام 128 ميلادي، خلال زيارة الإمبراطور الروماني هادريان إلى أفريقيا. أثناء هذه الزيارة، لاحظ هادريان معاناة مدينة قرطاج من مشكلة نقص المياه، ما دفعه إلى البحث عن مصادر مائية في محيط المدينة.
وفي النهاية، تم اختيار عين زغوان لتكون المصدر الرئيس للمياه التي تغذي شبكة الحنايا، ما جعلها أحد أبرز المعالم المائية في تونس.
حفاظًا على التراث للأجيال القادمة
يعد مشروع ترميم الحنايا في تونس خطوة هامة نحو الحفاظ على هذا المعلم التاريخي، وضمان استمراريته للأجيال القادمة، كما يعكس المشروع اهتمام الحكومة التونسية بالحفاظ على التراث الوطني، واهتمامها بالمشاريع التي تساهم في تنشيط السياحة وتحقيق التنمية المستدامة.
ومع الانتهاء من ترميم الحنايا، من المتوقع أن تصبح هذه الشبكة المائية أكثر جذبًا للسياح والمختصين في مجال التراث، مما يسهم في تعزيز مكانة تونس كوجهة سياحية تاريخية.