أحمد جمال يكتب: السياحة المصرية تنتفض وتترقب نتائج حرب غزة
تراقب صناعة السياحة في مصر باهتمام تأثيرات عودة الصراع في قطاع غزة مع إسرائيل عليها، خاصة وأنها تشكل أحد أعمدة توفير العملات الأجنبية التي تحتاجها الحكومة في ظل تواصل تداعيات الحرب في أوكرانيا منذ مطلع 2022.
وبعد حوالي أسبوع من اندلاع الحرب في غزة لم تتأثر حركة السياحة إلى الدرجة التي تشير إلى إمكانية حدوث انتكاسة جديدة مثل تلك التي سبق وتعرضت لها أكثر من مرة في السنوات الماضية.
وعاشت مصر أوضاعا سياسية متقلبة منذ 2011 مع وقوع حادث طائرة روسية فوق صحراء سيناء عام 2015، وصولا إلى الإغلاق الشامل الذي فرضه انتشار كوفيد في العالم.
وأصبحت خطط القاهرة لجذب الاستثمارات إلى القطاع وزيادة أعداد الغرف ما يجعلها قادرة على استقطاب 30 مليون سائح مع حلول 2028، محل شك مع عدم وضوح الرؤية بشأن المدى الزمني الذي يحتاجه إنهاء الحرب على غزة.
ولا أحد بإمكانه التكهن بما تفرزه من تطورات على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، حال توسعت ودارت رحاها بين قوى إقليمية مختلفة.
وبلغت قيمة إيرادات السياحة المصرية نحو 63.4 مليار دولار في السنوات العشر الماضية، مع زيارة ما يقرب من 90 مليون سائح.
وخلال العام الجاري قفزت الإيرادات إلى 13.6 مليار دولار، بزيادة 26.8 في المئة بمقارنة سنوية، وفقا لأرقام رصدها جهاز الإحصاء الحكومي.
وتتأثر السياحة دائما بما يدور من أحداث داخلية وخارجية، وخلال الساعات الأولى من الهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل غادرت وفود إسرائيلية المنتجعات المصرية التي تواجدت فيها.
وجرى تقدير أعدادهم وفقا لعاملين في هذه المنتجعات بنحو 50 ألف شخص كانوا خاصة في مناطق طابا ونويبع ودهب في محافظة جنوب سيناء القريبة من إسرائيل.
ووفق إحصاءات نشرتها شبكة بي.بي.سي البريطانية فإن عدد السياح الوافدين من إسرائيل إلى مصر بنهاية العام الماضي بلغ 735 ألف سائح، أغلبهم دخلوا عبر معبر طابا البري، من إجمالي 11.7 مليون سائح زاروا البلاد في العام ذاته.
ويبرهن الرقم على تراجع عام في أعداد السياح الإسرائيليين إلى مصر خلال الأعوام الماضية، إذ أن الأرقام أشارت إلى وصول ما يقرب من مليون ونصف المليون سائح عام 2019 قبل انتشار الجائحة، بحسب هيئة المطارات الإسرائيلية.
وقال رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع سامي سليمان إن “تأثر حركة السياحة في المنتجعات القريبة من الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل متفاوت”.
وأشار إلى أن بعض الفنادق الصغيرة تأثرت بوضوح لمغادرة غالبية الوفود، في وقت مازالت تحظى فيه فنادق كبيرة بتواجد لافت لسياح من جنسيات مختلفة، ولم يؤثر طلب مغادرة الوفود الإسرائيلية على حضور أخرى أميركية وروسية وأوروبية.
وأضاف سليمان الذي يرأس اتحاد جمعيات المستثمرين بمصر لـ”العرب” أنه “لا يمكن التعرف على العدد الحقيقي للسياح الذين غادروا ولم تخرج تقارير بعد من غرفة صناعة السياحة عن حجم التأثير”.
ولكنه أكد أن الواقع يشير إلى أن الجزء الأكبر من المنتجعات يحافظ على معدلات إشغال سبق وأن حققتها قبل اندلاع حرب غزة وتراوحت بين 70 و80 في المئة.
واعتبر سليمان أن التنبؤ بما ستؤول إليه أوضاع السياحة في المستقبل صعب، والأمر يتوقف على مدى تطور الأوضاع في عزة وتأثر سيناء بما يحدث هناك.
ولفت إلى أنه لا يوجد تأثير على المناطق السياحية الأخرى البعيدة عن الحدود الشرقية لمصر، ولا توجد حالات إلغاء للحجوزات وتتوافد الرحلات المتفق عليها في مواعيدها.
ويقلل عاملون بالقطاع من تأثير الحادث الذي وقع في الإسكندرية الأسبوع الماضي، على معدل السياحة الوافدة إلى مصر.
وقالوا إن مثل هذه الحوادث تتكرر بشكل فردي في مناطق عديدة، بينها دول أوروبية تجذب أعدادا هائلة من السياح، وقد تُعطي انطباعا سلبيا، لكنها لا تؤثر على قرارات السياح بالقدوم إلى مصر.
وقُتل سائحان إسرائيليان ومرشد سياحي مصري بالرصاص على يد شرطي، وأشارت صور جرى التقاطها لمزار “عمود السواري” السياحي الذي وقع فيه الحادث إلى توافد أعداد كبيرة من السياح إلى المكان.
وتعد مصر من الدول التي لديها سمعة جيدة بشأن تأمين الوفود السياحية، ودائما ما تكون هذه الخطط على رأس أولويات الجهات التنفيذية التي تكثف التأمين الذي يحظى بارتياح شركات السياحة ومتعهدي الرحلات القادمة من الخارج.
ويشكل ذلك أحد العوامل المهمة التي يبحث عنها السائح بجانب انخفاض أسعار الرحلات مقارنة بغيرها في المنطقة، فضلاً عن الهدوء والاستقرار بالبلاد في السنوات الأخيرة.
واستقبلت مصر خلال النصف الأول من العام الجاري قرابة 7 ملايين زائر، وهو الأعلى مؤخرا، طبقا لوزير السياحة أحمد عيسى الذي توقع أن يكون عدد الزوار في النصف الثاني من العام الجاري كبيرا.
وأشارت توقعات وزارة السياحة قبل اندلاع الحرب على غزة إلى إمكانية وصول عدد السياح العام المقبل إلى 18 مليونا، بعدما سجلت مصر أعلى معدل لعدد الزوار عام 2010 عندما بلغ 14.7 مليون سائح.
وتوقع وزير المالية محمد معيط في ضوء ذلك أن يحقق القطاع إيرادات تصل إلى 14 مليار دولار.
وأكد نقيب السياحيين المصريين باسم حلقة أن حرب غزة من المتوقع أن تحمل تأثيرات سلبية على السياحة في منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، والأسواق السياحية في آسيا والدول البعيدة عن الصراع يمكن أن تستفيد بشكل كبير.
وقال لـ”العرب”، “يتمثل التحدي المصري الأبرز في كيفية جذب الاستثمارات إلى هذا القطاع الذي بات في حاجة ماسة إلى مضاعفة حجمه بما يتماشى مع خطط الجذب الحكومية”.
وأوضح أن مصر بحاجة إلى استثمارات عاجلة بما يُسرع وتيرة الانتهاء من الفنادق والغرف تحت الإنشاء منذ فترة وإلى حوافز تجعلها قادرة على استقبال الوفود السياحية.
وأكد حلقة أن الأوضاع الراهنة قد تسهم في بطء الحركة، خاصة إذا دخلت المنطقة في صراع واسع، وفي هذه الحالة قد تصبح مصر من بين عدة أسواق تتضرر السياحة فيها بصورة كبيرة.
وشدد في الوقت ذاته على أنه لم يتم إلغاء حجوزات سياحية حتى الآن، والرحلات المنتظمة تسير على قدم وساق، لأن السياحة الإسرائيلية قاصرة تقريبا على الأماكن القريبة من الحدود الشرقية لمصر.
وتشير الأرقام إلى أن ما يقرب من 75 في المئة من الإيرادات تأتي من المنتجعات المنتشرة على ساحل البحر الأحمر، في الغردقة ومرسى علم والعين السخنة، إلى جانب السياحة الوافدة إلى مدينتي القاهرة والإسكندرية، ومحافظتي الأقصر وأسوان في جنوب البلاد.
وتمتلك مصر 2160 موقعا أثريا، منها 134 موقعا مفتوحًا للزيارة، و43 متحف آثار، منها 31 موقعا مفتوحا للزيارة و479 مركز غوص وأنشطة بحرية و1199 منشأة فندقية بحسب البيانات الحكومية.
كما ينشتر في البلاد حوالي 1325 مطعما وكافتيريا سياحيا و2259 شركة سياحة و18190 مركبة سياحية و2407 محلات عاديات وسلع سياحية.
وتعد السوق الأوروبية الأكبر من حيث عدد السياح الوافدين إلى مصر، ويأتي السياح الروس في المرتبة الأولى، يليهم الألمان والبريطانيون والفرنسيون والإيطاليون.