سقطرى اليمنية تكشف أسرار الجمال الأزلي وتمنح الطبيعة صوتها الخالد

تجسد جزيرة سقطرى في اليمن معجزةً طبيعية لا يمكن للعقل أن يستوعبها بسهولة، إذ تبدو كأنها قطعة من الخيال انفصلت عن العالم لتعيش زمنها الخاص، وتُدهش كل من تطأ قدمه أرضها الفريدة.
تمتاز الجزيرة بتنوّع بيئي استثنائي جعل العلماء يصفونها بأنها “غالاباغوس المحيط الهندي”، لما تحتويه من نباتات وكائنات لا تُرى في أي مكان آخر على سطح الأرض، حتى أصبحت رمزًا عالميًا للتنوّع الحيوي وجمال الطبيعة البكر.
تحتضن سقطرى ما يزيد على ثلث أنواع النباتات المتفردة في العالم، وعلى رأسها شجرة دم التنين التي تقف شامخة في قلب الجزيرة كأنها حارس أسطوري يروي تاريخها بصمت، بجذوعها الغريبة وأغصانها المظللة التي تشبه المظلات المقلوبة.
هذه الشجرة ليست مجرد نبات نادر، بل هي شاهد على عصور غابرة، إذ يعتقد العلماء أن عمر وجودها يمتد لآلاف السنين، ما يجعلها رمزًا للخلود البيئي الذي يواجه خطر الزوال مع تغيّر المناخ وتزايد الأنشطة البشرية.
تمنح الجزيرة زائريها درسًا عميقًا في فلسفة الجمال، فهي لا تعتمد على الرفاهية أو العمران الحديث، بل على بساطة الطبيعة التي تُعبّر عن نفسها دون تكلّف.
العزلة التي فرضتها الجغرافيا على سقطرى جعلت منها مختبرًا طبيعيًا للدهشة، إذ أنتجت نظامًا بيئيًا نقيًا لا تشوبه تدخلات الإنسان، ليبقى مثالًا لما يمكن أن تفعله الطبيعة عندما تُترك لتنمو بحرّيتها المطلقة.
وفي كل زاوية من سقطرى حكاية ترويها الصخور والأشجار والكهوف، فالأرض هنا تُخاطب الزائر بلغة النقاء، والماء ينساب في وديانها كأنّه يعزف موسيقى الحياة الأولى، إنها المكان الذي يُذكّر الإنسان بأنه جزء من هذا الكوكب لا سيّده، وأن احترام البيئة ليس خيارًا، بل واجبٌ يضمن استمرار التوازن الذي يمنح الحياة معناها.
تشهد سقطرى اليوم اهتمامًا عالميًا متزايدًا بفضل إدراجها ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو، وهو اعتراف دولي بقيمتها البيئية والثقافية، ومع ذلك، فإن هذا الاعتراف يحمّل العالم مسؤوليةً أكبر في الحفاظ على هذا الإرث الفريد، وضمان ألا تلتهم الحداثة سحرها البدائي أو تُفقدها خصوصيتها التي جعلت منها رمزًا للجمال الصامت.
تبقى سقطرى وجهة لا تُقارن، فهي ليست مجرد جزيرة على خريطة الجغرافيا، بل لوحة حيّة تنبض بالألوان والرائحة والحياة، ومكانٌ يدعو الإنسان إلى التأمل في عظمة الخلق وندرة التنوع، وإذا كان هناك موقع واحد يستحق أن يُرى بعين القلب قبل البصر، فهو بلا شك جزيرة سقطرى، تلك الجوهرة التي تُعيد تعريف معنى الجمال كلّما نظرنا إليها.
المصدر: سوشيال ميديا











