محجة.. جبل أثري يبوح بأسرار حضارات قديمة ويعيد كتابة تاريخ حائل

يحكي جبل “محجة” في محافظة الشملي جنوب غرب حائل قصة موغلة في عمق التاريخ، إذ تكشف تكويناته الصخرية الممزوجة بالرمال الذهبية عن ملامح حضارات قديمة مرّت بالمنطقة، حيث تعكس طبقاته الرسوبية أثر العوامل الطبيعية التي شكلت ممرات وأقواسًا طبيعية نادرة، وجعلته من أبرز المعالم الجيولوجية والأثرية في شمال الجزيرة العربية، بما يحمله من قيمة ثقافية وتاريخية بارزة.
يشكل الموقع وجهة مثالية لعشاق الرحلات البرية والتخييم، إذ تزداد زياراته خلال فصلي الشتاء والربيع حينما تكون الأجواء صافية والتضاريس متنوعة، ويتوزع الجبل إلى خمسة أجزاء رئيسية تشمل كتلة صخرية ضخمة بارتفاع نحو 30 مترًا على شكل جمل، وردهة بارتفاع يتراوح بين 20 و25 مترًا، وكتلة نصف مستديرة بارتفاع 10 أمتار، إضافة إلى صخرة منفردة صغيرة وبهو أعمدة أمامي يصل ارتفاعه إلى 33 مترًا، وهو ما يمنحه تنوعًا طبيعيًا يثير فضول الزوار والباحثين.
يحتوي الجبل على عدد كبير من النقوش والرسوم الصخرية التي توثق حياة الإنسان في عصور قديمة، فقد سجلت الصخور رسومات للجمال والخيول والرجال والغزلان والأسود، إلى جانب نقوش ثمودية غنية بالتفاصيل، كما وصفه بعض المؤرخين بـ”مدونة المسافرين” لكونه محطة بارزة على طرق القوافل والتجارة التي كانت تمر بالمنطقة، حيث ترك المسافرون والرحالة بصماتهم على جدران الصخور لتبقى شاهدة على تواصل الثقافات وتبادل الحضارات.
أوضحت هيئة التراث أن جبل “محجة” يمثل سجلًا مفتوحًا لحضارات قديمة تركت إرثًا فنيًا وإنسانيًا، مؤكدة أنه مقصد للسياحة الطبيعية والثقافية في آن واحد، وأن الجهود متواصلة لحماية الموقع وتعزيز قيمته العلمية من خلال مشاريع المسح والتوثيق، كما أكدت الهيئة أن حائل بشكل عام تزخر بالنقوش الثمودية والفنون الصخرية التي تغطي مساحات واسعة وتقدم أدلة علمية مهمة لفهم تطور المجتمعات القديمة في الجزيرة العربية.
أشار باحثون إلى أن جبل “محجة” لم يلفت أنظار الزوار المحليين فحسب، بل كان منذ عقود محطة مهمة للرحالة الغربيين الذين سعوا لتوثيق رسوماته وتحليل نقوشه، وهو ما أسهم في إنتاج كتب ودراسات علمية تناولت بالبحث والتحليل تلك النقوش الثمودية وما تحمله من دلالات رمزية ودينية واجتماعية، الأمر الذي جعل الموقع مقصدًا للعلماء والمهتمين قبل أن يتحول حديثًا إلى وجهة سياحية بارزة تجذب العائلات والزوار.
أصبح جبل “محجة” اليوم علامة فارقة في مشهد التراث الوطني لما يقدمه من تجربة تجمع بين جمال الطبيعة وقيمة التاريخ، حيث تمتزج الكثبان الرملية بالنقوش الصخرية لتروي قصة استقرار الإنسان وتفاعله مع البيئة، لتبقى هذه الشواهد شاهدًا حيًا على أن منطقة حائل كانت مركزًا حضاريًا مهمًا وممرًا للقوافل ومسارات التجارة التي عبرت الجزيرة العربية على مدى قرون طويلة.





