الأبواب الخشبية في جدة التاريخية رموز فنية ووظيفية للعمارة الحجازية

تجمع الأبواب الخشبية العتيقة المنتشرة في أزقة وحارات جدة التاريخية بين الوظائف العملية والزخارف الجمالية، ما أسهم في احتفاظها بأصالتها وجمالياتها على مدار مئات السنين، وبرزت كعنصر مميز في الهوية العمرانية للمدينة، مؤهلة لإدراجها ضمن التراث العالمي لليونسكو، لما تعكسه من سمات العمارة الحجازية الأصيلة ومهارة الصنّاع المحليين.
تقوم الأبواب الخشبية بوظائف معمارية متعددة، أبرزها حماية المنازل من حرارة الصيف، وتوفير التهوية عبر الفتحات المزخرفة، إلى جانب كونها واجهة جمالية تزيّن المنازل، كما تظهر براعة الصنّاع في الجمع بين الجمال والفائدة العملية، ما يجعل كل باب قطعة فنية متكاملة ضمن النسيج العمراني التاريخي للمدينة، ويبرز التفاعل بين الإنسان والبيئة المحلية.
تصنع الأبواب من خشب الساج والجوز المستورد من الهند وشرق أفريقيا، المعروف بمتانته وقدرته على مقاومة عوامل المناخ، وتطعَّم بالمسامير الحديدية الكبيرة، مع زخارف أرابيسك ونقوش هندسية ونباتية دقيقة، تعكس إبداع الحرفيين، الذين نقلوا هذه الحرفة من جيل إلى جيل، وأضافوا لمسات مبتكرة في كل باب، بما يعكس تاريخ جدة الاجتماعي والثقافي عبر العقود، ويثبت براعتهم في التعامل مع المواد الطبيعية.
تضم بعض الأبواب طبقات مزدوجة، باب خارجي كبير لاستقبال الزوار، وآخر صغير يُعرف باسم “خوخة الباب”، لتسهيل الدخول والخروج دون فتح الباب الرئيسي، ما يعكس مراعاة الصنّاع للاستخدام العملي والتقاليد المحلية، ويضيف بعدًا وظيفيًا إلى التصميم الفني، ويعكس التوازن بين الاحتياجات اليومية والجماليات المعمارية.
خضعت عشرات الأبواب التاريخية لعمليات ترميم دقيقة على أيدي حرفيين متخصصين، باستخدام الأخشاب الأصلية نفسها، مع توثيق الزخارف والنقوش وحفظها، ما ساهم في الحفاظ على الهوية العمرانية للمدينة، ويجعل الأبواب شاهدة على مراحل تطور المجتمع الحجازي وأساليبه في التعايش مع البيئة، كما يدعم الجهود الرامية لتطوير جدة التاريخية كوجهة سياحية وثقافية، مع الحفاظ على التراث المعماري.





