رحلة تاريخية ساحرة في قلب قرطاج بين البحر والتلال

استهلت قرطاج دعوتها للسياح بدعوتهم إلى خوض تجربة تنقلك من الحاضر إلى أعماق التاريخ، حيث بدأت الحكاية بصعود تل بيرصا المطل على خليج تونس، وهو أحد أبرز المعالم التي تمنح الزائر مشهداً بانورامياً يحاكي عظمة المدينة القديمة، بينما تكشف الموانئ البونية القديمة عن عبقرية هندسية مكنت القرطاجيين من حماية أسطولهم وإخفائه بذكاء خلف التصميم الدائري
واستقبلت المدينة زوارها في حي سكني يعود للقرن الثالث قبل الميلاد، حيث يمكن السير بين البقايا الحجرية التي شهدت حياة أهل قرطاج، والمرور على نفس الدروب التي سلكتها نساء المدينة منذ آلاف السنين، بينما تعكس صهاريج المعلقة في أسفل التل نظاماً متقدماً لتخزين المياه اعتمد عليه السكان لتأمين احتياجاتهم اليومية، إذ ما زالت هذه الخزانات قائمة بعد قرون من الاستخدام والتقلبات
ووفر متحف قرطاج في قمة التل نظرة شاملة على المقتنيات الأثرية التي جمعت بين التوابيت الحجرية التي تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، والفسيفساء التي تجسد فصول السنة وتفاصيل الحياة اليومية، في حين شكلت كاتدرائية الأكروبول المجاورة مساحة معمارية فريدة جمعت بين الأنماط الموري والبيزنطي والقوطي رغم توقفها عن النشاط الديني
وانتقل الزائر بعد ذلك إلى حمامات أنطونين، حيث كشفت أطلال هذا الصرح الروماني الفخم عن أضخم مشروع استحمام في أفريقيا القديمة، إذ أُنشئت هذه الحمامات في عهد الإمبراطور هادريان واكتملت في عهد أنطونين بيوس، وتميزت بتخطيط معماري ضخم ضم قاعات استحمام وساحات مفتوحة، ولم يتبق منها سوى الأعمدة الضخمة والممرات الحجرية المغطاة بالعشب
وفي منطقة قريبة من تل بيرصا، أعيد بناء المسرح الروماني ليستوعب خمسة آلاف متفرج، وهو حالياً مركز فعاليات مهرجان قرطاج الدولي الذي يعيد إحياء روح المدينة عبر الموسيقى والعروض الصيفية، بينما يجاور المسرح حي الفيلات الرومانية الذي يضم فيلا الطيور ذات الفناء الواسع المزخرف بالأعمدة والفسيفساء التي تحكي قصصاً من حياة الطبيعة والبحر
واستكمل الزوار جولتهم في المدرج الروماني الذي كان من أكبر مدرجات الإمبراطورية الرومانية، بسعة تجاوزت 36 ألف متفرج، ورغم تعرضه للدمار، ظلت بقاياه شاهدة على تاريخ المصارعات والعروض الجماهيرية، إذ لا تزال الممرات تحت الأرض والبوابات الحديدية المنحوتة تروي تاريخاً حياً من القوة والدهاء القرطاجي الذي شكّل وجدان تونس منذ آلاف السنين





