أعمدة الغراميل تجسّد تاريخ العلا الطبيعي الخالد

تنبض صخور “الغراميل” الواقعة شمال غرب محافظة العلا، بروح الجغرافيا الساحرة وعبق الأزمنة السحيقة، حيث تنحت الطبيعة بتأنٍ وإبداع تحفةً جيولوجية تستعصي على التكرار، فقد صنعت العوامل المناخية المتعاقبة، من رياح جافة وتفاوتات حرارية وتدفقات مطرية، عبر آلاف السنين، أعمدة صخرية عمودية تصطف في تناغم مدهش وسط صحراء المملكة، لتجسّد عراقة الطبيعة ودهشة التكوينات الأرضية.
وتمثل هذه الأعمدة الشاهقة مشهدًا نادرًا يفيض بالسكون والهيبة، حتى لكأنها تحرس ذاكرة الأرض منذ عصور جيولوجية بعيدة.
تبدأ تجربة الزائر في “الغراميل” بشعور انبهار يرافقه حس المغامرة، حيث يقوده المسار نحو تكوينات صخرية تتناغم مع انعكاسات الضوء وتغيّر زوايا الشمس، لتتحول إلى لوحات طبيعية متبدلة باستمرار، تتحرك تفاصيلها في صمت مع تبدّل الضوء وظلال الجبال المحيطة، إنها رحلة بصريّة وجيولوجية في آنٍ، تأخذ المتجوّل من النظرة السطحية إلى عمق التفاصيل الطبقية والرسوبية، كاشفة عن بنية صخرية متماسكة وتراكيب أرضية مدهشة، تعكس حقبًا تاريخية ممتدة وترصد تحوّلات البيئة عبر العصور.
لا تقف أهمية “الغراميل” عند حدود المشهد البصري، بل تتجاوزها إلى كونها سجلًا طبيعيًا حيًا يُقرأ فيه التاريخ الجيولوجي للمنطقة.
ويستقطب الموقع الباحثين في علوم الأرض والمصورين الطبيعيين، لما يوفره من بيانات دقيقة حول التكوينات الرسوبية وتفاعلات الطبيعة، ما يجعلها مرجعًا علميًا غنيًا في فهم تحولات المناخ والبنية الأرضية للعلا والمناطق المجاورة.
وتتناغم الأعمدة الصخرية مع الرمال المحيطة في مشهدٍ فريد تتداخل فيه الألوان والأشكال، لتشكّل بيئة تصوير مثالية توثقها عدسات الزائرين في مختلف فصول السنة.
كما تحتل “الغراميل” مكانة خاصة ضمن رموز العلا الجغرافية، فهي ليست مجرد تكوينات حجرية، بل تمثّل بعدًا بيئيًا وسياحيًا يعكس رؤية المملكة في الحفاظ على ثرواتها الطبيعية والترويج لمكنوناتها التراثية، ضمن مشروعها الطموح في جعل العلا وجهة عالمية للسياحة البيئية والثقافية.
وبينما تستمر عوامل التعرية في نحت تفاصيل جديدة على سطح الأعمدة، تبقى “الغراميل” رمزًا لصبر الطبيعة وإبداعها، وحكايةً بصريةً متجددة ترسّخ ارتباط الإنسان بأرضه وجمالها الفطري.





