سوشيال ميديا

البحر الأسود.. بحر مغلق يحمل تاريخاً وعمقاً استثنائياً

يُعد البحر الأسود واحداً من أكثر المسطحات المائية إثارةً للجدل والأهمية في الجغرافيا السياسية والبيئية على حد سواء، إذ يقع عند نقطة التقاء جنوب شرق أوروبا بغرب آسيا، ويتصل بالبحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور فبحر مرمرة ثم مضيق الدردنيل، ما يمنحه موقعاً استراتيجياً فريداً جعله عبر العصور محوراً لحضارات وصراعات وتوازنات إقليمية كبرى، تحيط به ست دول رئيسية هي تركيا، بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا، روسيا، وجورجيا، ما يجعله في قلب مشهد جغرافي وجيوسياسي معقد ومتغير باستمرار.

تمتد مساحة البحر الأسود إلى نحو 436 ألف كيلومتر مربع، ويصل عمقه الأقصى إلى 2,212 مترًا، وهو بحر مغلق جزئيًا، إذ يتصل بالمحيط عبر سلسلة من المضائق الضيقة، ما يجعله شديد التأثر بالأنشطة البشرية على شواطئه.

وتُعد الأنهار التي تصب فيه شرايين حيوية تغذي نظامه البيئي، وأبرزها نهر الدانوب، ثاني أطول أنهار أوروبا، إضافة إلى أنهار دنيبر ودنيستر وكوبان، ما يجعل حوض البحر الأسود واحداً من أكبر أحواض تصريف المياه في القارة الأوروبية.

يتميّز البحر الأسود بخصائص بيئية فريدة على مستوى العالم، إذ يحتوي على طبقة سطحية من المياه المؤكسجة، وهي الطبقة الوحيدة التي تصلح للحياة البحرية، في حين تقع أسفلها طبقة عميقة خالية من الأوكسجين وغنية بغاز كبريتيد الهيدروجين، وهي طبقة “ميتة” بيئيًا، لا يمكن لأي كائن حي البقاء فيها، هذه التركيبة الكيميائية الفريدة تجعل الحياة البحرية محدودة في نطاق سطحي، ما يفرض تحديات كبيرة على الصيد والتنوع البيولوجي.

قد تكون صورة ‏‏خريطة‏ و‏تحتوي على النص '‏روسيا أوكرانيا آررومانیا البحر الأسود تركيا صما__ان ps‏'‏‏

وعلى مدى التاريخ، احتل البحر الأسود مكانة بارزة كممر تجاري استراتيجي، استخدمته حضارات كبرى مثل الإغريق والرومان والبيزنطيين في التجارة والانتشار، ولعب أدوارًا محورية خلال الحربين العالميتين.

كما أنه يحتفظ إلى اليوم بأهمية استراتيجية لا تقل عما كانت عليه في الماضي، خصوصًا بعد التوترات المتصاعدة في منطقة القرم والنزاع المفتوح بين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى حضور الناتو المكثف في مياهه، ما جعله بؤرة ساخنة للتوترات الدولية.

ويُعتبر البحر الأسود أيضًا من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية، حيث يحتوي على كميات كبيرة من الأسماك، إلى جانب اكتشافات متزايدة من النفط والغاز الطبيعي في قاعه، ما يعزز من أهميته الاقتصادية للدول المطلة عليه.

وتنتشر على سواحله موانئ تجارية ضخمة أبرزها ميناء أوديسا في أوكرانيا، وميناء نوفوروسيسك في روسيا، وميناء إسطنبول في تركيا، وهي موانئ تؤدي أدواراً حيوية في التجارة الإقليمية والدولية.

لكن البحر الأسود لا يخلو من التحديات، إذ يعاني من قضايا بيئية متفاقمة بسبب التلوث، والتصريف الصناعي، والصيد الجائر، إلى جانب النزاعات العسكرية التي تهدد حرية الملاحة فيه.

كما أن التوترات في شبه جزيرة القرم أثرت بشكل كبير على ديناميكيات السيطرة والنفوذ في المنطقة، ما جعل من البحر الأسود مرآة واضحة لتعقيدات السياسة الدولية المعاصرة.

ويُعتقد علميًا أن البحر الأسود لم يكن على هيئته الحالية في العصور الغابرة، بل كان بحيرة مياه عذبة مغلقة، قبل أن تتدفق مياه البحر المتوسط إليه عبر مضيق البوسفور قبل حوالي 7500 سنة، في ما يُعرف علميًا بـ”طوفان البحر الأسود”، وهو حدث جيولوجي ضخم ترك بصماته على التكوين الجغرافي للمنطقة.

وتوجد على ضفافه آثار لمدن غارقة وأطلال قديمة، ما يثير اهتمام علماء الآثار والجيولوجيين من مختلف أنحاء العالم، ويجعل من البحر الأسود مرجعًا غنيًا لفهم العلاقة بين الإنسان والطبيعة والتاريخ.

المصدر: عشاق الجغرافيا والتاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى