قرية علقان بتبوك.. سحر المكان وتاريخ المكان في مزيجٍ فريد

تُجسّد قرية علقان التراثية شمال غرب مدينة تبوك لوحةً نابضةً بالحياة تجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة، حيث تحتضنها جبالٌ شامخة ذات تشكيلات فريدة، وتُحيط بها كثبانٌ رملية حمراء تُمثّل مزيجًا بصريًا آسرًا يستهوي الزوّار من داخل المملكة وخارجها.
وتمتد هذه القرية على ربوة عالية في سفوح الجبال، ما يمنحها مشهدًا بانوراميًا قلّ نظيره في شمال غرب المملكة، على مسافة تقارب 170 كيلومترًا من تبوك.
شيدت مباني علقان القديمة بعناية فائقة تراعي الخصوصية والمعايير البيئية التي كان يتعامل بها سكان البادية قديماً، فاختيرت مواقع البناء بعناية بناءً على اتجاهات الرياح ومجاري السيول، ما يعكس وعيًا عمرانيًا متقدّمًا في تلك الحقبة.
وقد استخدمت في إنشاء المساكن خامات محلية مثل الطين والحجارة الحمراء الطبيعية، في حين استُخدمت جذوع الأشجار وسعف النخيل في الأسقف، مما أضفى على مباني القرية هوية معمارية متجانسة مع الطبيعة المحيطة بها.
وتحمل قرية علقان في طيّاتها إرثًا ثقافيًا وذكريات موثقة لعواصف ثلجية نادرة في الجزيرة العربية، إذ عُرفت بتساقط الثلوج خلال مواسم الشتاء، ولعل أبرزها ما وثّقه السكان عام 1945م، حين استمر تساقط الثلج لتسعة أيام متتالية، تكررت هذه الظاهرة أيضاً في عام 1965م خلال شهر رمضان، واستمرت لسبعة أيام، هذه الخصائص المناخية جعلت من علقان وجهةً مفضلة لعشاق السياحة الشتوية في المملكة، لا سيما أولئك الذين يبحثون عن مزيج فريد من الطقس البارد والمناظر الطبيعية الخلابة.
وتعود أهمية القرية إلى قرار تاريخي أصدره الملك عبدالعزيز عام 1353هـ (الموافق 1934م) بإنشاء مركز إداري في المنطقة، وبهذا أصبحت علقان أحد المراكز الحكومية الأولى في شمال المملكة.
وقد خُصّصت مساكن القرية، البالغ عددها 20 بيتًا، لاستقبال أوائل موظفي الدولة والعاملين في الأجهزة الحكومية آنذاك، لتُشكّل نواةً حضرية وإدارية ساهمت في تنمية المنطقة.
وتُعد قرية علقان من أبرز المواقع المُسجّلة في السجل الوطني للتراث العمراني بمنطقة تبوك، حسب هيئة التراث، التي تسعى إلى توثيق وأرشفة هذا الإرث ضمن مشروع رقمنة وحماية المواقع التاريخية في المملكة.
وفي سفح القرية، يوجد منفذ جمركي قديم يُعرف بـ”جمرك علقان”، أُنشئ عام 1965م، وكان يُعد حلقة وصل مهمة بين المملكة والدول المجاورة.
كما تنتشر في محيط القرية مجموعة من الآبار القديمة، التي كانت تُشكّل المصدر الرئيسي للمياه، ولعلّ أبرزها بئر “أبو العلق” التي نُسب اسم “علقان” إليها، وفي رواية أخرى يُرجّح أن التسمية تعود للعوالق التي كانت تشوب مياه البئر قديماً.
وتبقى قرية علقان التراثية شاهدةً على مرحلة مهمة من تاريخ المملكة، بما تحمله من دلالات معمارية، وملامح إنسانية، وخصوصيات بيئية نادرة، تجعل منها مقصدًا سياحيًا وتراثيًا يعكس هوية المكان وروح الزمان في آنٍ واحد.





