البندقية.. مدينة إيطالية تبحر على مياه التاريخ والجمال

تستقبل مدينة البندقية في شمال شرق إيطاليا ملايين الزوار كل عام، حيث تقدم تجربة مختلفة تمامًا عن أي مدينة أخرى في العالم، بُنيت على أكثر من مئة جزيرة صغيرة داخل بحيرة ضحلة تطل على البحر الأدرياتيكي، وتُربط هذه الجزر بأكثر من 400 جسر، ما يجعل شبكة القنوات المائية بديلًا للطرق المعتادة في حركة النقل والتنقل اليومي.
وتُعد البندقية عاصمة منطقة فينييتو، وتمتد على مساحة تقارب 414 كيلومترًا مربعًا، معظمها عبارة عن مياه تغمر المدينة وتشكّل جزءًا من هويتها اليومية.
برزت المدينة كمأوى لسكان فرّوا من الهجمات في العصور القديمة، لتبدأ في التشكل خلال القرن الخامس الميلادي، ثم سرعان ما تحوّلت إلى مركز سياسي وتجاري كبير، خاصة بعد تأسيس دولة البندقية التي استمرت قرابة سبعة قرون بين عامي 1097 و1797، تحوّلت خلالها إلى قوة بحرية وتجارية نافذة في البحر المتوسط، حيث هيمنت على طرق التجارة وربطت بين الشرق والغرب، ووسّعت نفوذها إلى أجزاء من الساحل الشرقي للبحر الأدرياتيكي ومناطق أخرى.
تتمتع البندقية بمناخ البحر الأبيض المتوسط، حيث الصيف حار ورطب والشتاء بارد ورطب كذلك، مع تكرار هطول الأمطار في أشهر الشتاء، وهو ما يزيد من صعوبة مواجهة المدينة لظاهرة “الأكوا ألتا” التي تؤدي إلى غمر أجزاء منها خلال فترات المد البحري، وتُعتبر هذه الظاهرة من التحديات البيئية التي تهدد مستقبل المدينة، خاصة مع ارتفاع منسوب البحر نتيجة التغير المناخي.
تُعرف المدينة بمعمارها الفريد الذي يمزج بين التأثيرات البيزنطية والقوطية وعصر النهضة، ويظهر هذا بوضوح في كاتدرائية سان ماركو وقصر دوجي، كما أن قناة جراندي تشكل العمود الفقري لحركة الزوارق، وتُعد جسر ريالتو من أكثر معالمها شهرة، إذ يربط بين جانبي المدينة ويطل على هذه القناة الحيوية، ولا تقل ساحة سان ماركو شهرة، إذ تمثل مركز الحياة التاريخية ومكانًا يجذب الآلاف يوميًا لمشاهدة تفاصيل المباني العتيقة والاستمتاع بالمقاهي المفتوحة.
ساهمت البندقية بشكل مباشر في تطوير الفنون التشكيلية والموسيقى الأوروبية، وقد خرج منها فنانين مثل الرسام تيتيان والموسيقي فيفالدي، ولا تزال تستضيف مهرجان البندقية السينمائي الذي يُعد من أقدم وأهم المهرجانات السينمائية في العالم، ويجذب صنّاع الأفلام والنقاد من مختلف القارات.
أصبحت البندقية اليوم واحدة من أبرز وجهات السياحة في أوروبا، لكنها تواجه تحديات مستمرة تتعلق بالحفاظ على توازنها البيئي وحمايتها من الغرق المحتمل، ومع ذلك، تواصل المدينة جذب المسافرين الذين يبحثون عن تجربة حضرية نادرة تدمج بين المياه والتاريخ والفن.
المصدر: Idafa+





