“الزيرة” جزيرة أرواد.. المدينة السورية الوحيدة التي تقع خارج الخريطة
في البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا قبالة سواحل مدينة طرطوس السورية، تقع جزيرة أرواد، هذه الجزيرة الصغيرة تحتفظ بجاذبية خاصة، حيث تمثل نموذجًا فريدًا للمجتمع السوري الذي يعيش حياة مستقلة تختلف تمامًا عن باقي المدن السورية.
تعد أرواد واحدة من أقدم الجزر في المنطقة، ولكن ما يجعلها فريدة هو أنها لا تقع على الخريطة السورية بشكل تقليدي، بل تعتبر خارجة عن مفاهيم الخرائط المعروفة، حيث لا ترتبط مثل باقي المدن السورية بالمنطقة الجغرافية نفسها، رغم أنها تتبع إداريًا محافظة طرطوس.
حياة بلا سيارات ولا باصات
عند وصولك إلى جزيرة أرواد، سيلفت انتباهك أول ما يثير الدهشة هو الهدوء المطبق الذي يسود المكان، لا يوجد هناك سيارات أو باصات، ما يجعل الحركة في الجزيرة تتسم بالبساطة والهدوء.
يعتمد سكان الجزيرة على السير على الأقدام أو استخدام الدراجات الهوائية للتنقل داخلها، مما يعكس صورة الحياة البسيطة التي تتسم بها هذه الجزيرة.
يعيش في جزيرة أرواد مجتمع سوري بالكامل، يتحدث جميع سكانها اللغة العربية، لكن ما يميزهم هو لهجتهم الخاصة التي هي الأقرب إلى اللهجة الطرابلسية اللبنانية، لا تقتصر الجزيرة على كونها مكانًا للعيش فقط، بل هي موطن لفلكلور مميز يعكس ثقافة وتقاليد أهالي المنطقة.
الزيرة: الاسم والتقاليد
يشير سكان الجزيرة إلى جزيرتهم باسم “الزيرة”، وهو اسم محلي يحمل في طياته الكثير من المعاني العميقة بالنسبة لهم، وعلى الرغم من أن الاسم الرسمي للجزيرة هو أرواد، فإنهم يفضلون دائمًا استخدام الاسم المحلي “الزيرة”.
ولعل ما يميز لهجتهم المحلية هو أنهم لا يلفظون حرف “الجيم” كما هو معتاد في معظم المناطق السورية، بل يستبدلونه بحرف “ز”، ليصبح اسم الجزيرة “الزيرة” بدلًا من “أرواد”.
تعتبر هذه الظاهرة اللغوية جزءًا من هوية الجزيرة، حيث تعكس ملامح المجتمع المترابط الذي يعتز بتقاليده ولهجته الخاصة. إلى جانب ذلك، يحمل المجتمع في أرواد بعض العادات والتقاليد المميزة، مثل تسمية المربى بـ “طُطلة”، وهو مصطلح فريد لا يُستخدم في أي منطقة سورية أخرى. هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تجعل جزيرة أرواد مكانًا مميزًا يحمل في طياته عبقًا من التاريخ والتراث السوري الخاص.
التمسك بالعادات: منازل غير قابلة للبيع أو الإيجار
من الملاحظ في جزيرة أرواد أن سكانها يتمسكون بتقاليد غريبة عن باقي المدن السورية، فحتى اليوم، لا يبيع أهل الجزيرة منازلهم ولا يؤجرونها لأشخاص غرباء، وهو أمر نادر في الكثير من الأماكن حول العالم.
يبدو أن العلاقة بين السكان ومنازلهم هي علاقة دائمة ومستدامة، حيث يعتبرون منازلهم إرثًا عائليًا مقدسًا يجب الحفاظ عليه، هذا التمسك بالعادات يعكس حبهم العميق لهذه الجزيرة، التي تعد جزءًا من هويتهم الثقافية.
جزيرة أرواد: جزء من تاريخ البحر الأبيض المتوسط
على الرغم من صغر جزيرة أرواد، إلا أنها تحمل تاريخًا طويلًا يمتد لآلاف السنين، فقد كانت في العصور القديمة مركزًا تجاريًا وثقافيًا هامًا، حيث كانت محطًا للعديد من الحضارات.
واليوم، تستمر جزيرة أرواد في الحفاظ على سحرها الفريد من خلال المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بها، إضافة إلى تأثيرات الماضي التي ما تزال تظهر في هندسة مبانيها وأسواقها.
تعتبر جزيرة أرواد اليوم واحدة من أهم المقاصد السياحية في سوريا، حيث يعكف الزوار على اكتشاف معالمها القديمة وجمال بحرها المتوسط، ولكن على الرغم من التحديثات التي تطرأ على الجزيرة، يظل سكانها محافظين على تقاليدهم، مما يجعل هذه الجزيرة الصغيرة واحدة من الأماكن المدهشة التي تجمع بين التاريخ والحياة البسيطة في وقت واحد.
جزيرة أرواد، أو كما يطلق عليها سكانها “الزيرة”، تبقى مثالاً حيًا على التمسك بالهوية والخصوصية الثقافية، لتظل شامخة وسط البحر المتوسط في وجه التحديات التي تواجهها سوريا.