كشف بهنسا الأثري في مصر يكشف أسرار جديدة حول العصر البطلمي ويغير مفاهيم علم المصريات
في حدث تاريخي غير مسبوق في منطقة البهنسا الأثرية بمحافظة المنيا، تمكنت البعثة الأثرية المصرية الإسبانية المشتركة بين جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدني القديم من الكشف عن مجموعة من المقابر التي تعود إلى العصر البطلمي، والتي تحتوي على العديد من الاكتشافات المذهلة التي تضيف فصولاً جديدة إلى تاريخ المنطقة وعلم المصريات.
كشف غير مسبوق في البهنسا
أعلن الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذا الكشف يعتبر الأهم في منطقة البهنسا، حيث عثر على مجموعة من الألسنة والأظافر الذهبية الخاصة بمومياوات تعود إلى العصر البطلمي.
ولم يكن هذا الاكتشاف مقتصرًا على بقايا المومياوات فحسب، بل تضمن أيضًا نصوصًا ومناظر طقسية لمعبودات ظهر بعضها لأول مرة في هذه المنطقة، مما يسلط الضوء على الممارسات الدينية التي كانت سائدة في تلك الفترة الزمنية.
وأضاف الدكتور خالد أن هذا الاكتشاف يمثل إضافة قيمة لفهم العادات الجنائزية والطقوس الدينية التي كانت تُمارس في العصر البطلمي، ويكشف عن تفاصيل جديدة حول تأثير الحضارة المصرية القديمة على الممارسات الدينية في تلك الحقبة.
مقابر بطلمية ومقابر جماعية
من جانبه، أكد الدكتور حسان إبراهيم عامر، الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة، أن إحدى المقابر المكتشفة تحتوي على جعران قلب في مكانه داخل المومياء، بالإضافة إلى 29 تميمة تمثل عامود الجد، وعدد من الجعارين الأخرى التي تخص المعبودات الشهيرة مثل حورس، وجحوتي، وإيزيس، هذه الاكتشافات تشير إلى قوة وتنوع المعتقدات الدينية في تلك الحقبة.
وتابع الدكتور عامر أن البعثة تمكنت من العثور على بئر للدفن من الحجر مستطيل الشكل يؤدي إلى مقبرة تضم صالة رئيسية تتفرع منها ثلاث حجرات تحتوي على عشرات المومياوات المتراصة جنبًا إلى جنب، مما يدل على أن المقبرة كانت تستخدم كمقبرة جماعية، هذا الاكتشاف يعكس طبيعة الطقوس الجنائزية في العصر البطلمي ويزيد من فهمنا لكيفية ترتيب عملية الدفن في تلك الفترة.
مناظر وكتابات ملونة
وفي تفاصيل أخرى، كشف الدكتور استر بونس ميلادو، رئيس البعثة من الجانب الإسباني، عن وجود بئر دفن آخر يؤدي إلى ثلاث حجرات زُينت جدرانها برسوم وكتابات ملونة تمثل صاحب المقبرة “ون نفر” وأفراد أسرته أمام المعبودات مثل أنوبيس، وأوزوريس، وآتوم، وحورس، وجحوتي.
كما زُين السقف برسم للمعبودة نوت، ربة السماء، باللون الأبيض على خلفية زرقاء، تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل خبري، ورع، وآتوم.
واستكمالًا لهذه الاكتشافات الرائعة، لفتت البعثة الأثرية الانتباه إلى طبقة رقيقة من الذهب اللامع التي وُجدت على وجه المومياء التي كان يحنيطها المعبود أنوبيس، بالإضافة إلى وجه المعبودات أوزوريس وإيزيس ونفتيس، مما يدل على الصبغة الدينية الفائقة الدقة التي كانت تميز طقوس التحنيط في العصر البطلمي.
توابيت حجرية واكتشافات جديدة
داخل الحجرة الرئيسية في المقبرة، عثرت البعثة على أربعة توابيت مصنوعة من الحجر الجيري، وهو ما يزيد من أهمية هذا الكشف باعتباره يسلط الضوء على المواد المستخدمة في تحنيط المومياوات في تلك الفترة، ويكشف عن تفاصيل جديدة في تقنيات الدفن.
وأضافت الدكتورة مايته ماسكورت، رئيس البعثة، أن الموسم الماضي من الحفائر أسفر عن اكتشافات أخرى هامة في المنطقة، بما في ذلك عدد من المقابر التي تعود إلى العصور الصاوية، واليونانية، والرومانية، كما اكتشفت البعثة كنيسة بازيليكا رومانية ومعبد الأوزريون، مما يعزز مكانة البهنسا كأحد المواقع الأثرية الفريدة في مصر.
أكدت الدكتورة ماسكورت أن البعثة ستواصل أعمالها في الموقع بهدف الكشف عن المزيد من الأسرار والكنوز الأثرية التي تظل مدفونة في قلب هذه المنطقة التاريخية.
ومن المتوقع أن تسفر الحفائر المقبلة عن المزيد من الاكتشافات التي ستساهم في إثراء المعرفة حول العصور القديمة في مصر وفتح أفق جديد لفهم ثقافة وعقائد الشعب المصري القديم.
هذا الكشف الأثري الجديد في منطقة البهنسا يعد تطورًا كبيرًا في مجال الدراسات الأثرية، ويمنحنا لمحات جديدة عن الحياة الدينية والجنائزية في العصر البطلمي.
من المومياوات المحنطة إلى التوابيت الحجرية والنقوش الملوّنة، تكشف هذه الاكتشافات عن تفاصيل غير مسبوقة حول طقوس الدفن والمعتقدات المصرية القديمة، مما يعزز مكانة المنطقة كموقع أثري ذو أهمية بالغة في تاريخ مصر القديم.