أسرار محفوظة على صخور جبال الألب الإيطالية العالية

نجحت فرق البحث العلمي في اكتشاف آلاف الطبعات المترسخة لأقدام كائنات منقرضة، فوق تشكيلات صخرية شبه عمودية بمتنزه ستلفيو الوطني الإيطالي، حيث ترتفع هذه الصخور لأكثر من ألفي متر فوق مستوى سطح البحر، مما يجعل هذا الموقع الاستثنائي أحد أغنى مناطق العصر الترياسي على مستوى العالم.
تمتد المسارات المكتشفة لمسافة تصل إلى نحو خمسة كيلومترات، في منطقة فالي دي فرايلي الجليدية الواقعة بالقرب من مدينة بورميو، وهي المدينة التي تستعد لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية القادمة، حيث تظهر الآثار بوضوح فائق يعكس تفاصيل دقيقة لتلك الحقبة الزمنية البعيدة.
يصل عرض بعض هذه الطبعات الصخرية إلى أربعين سنتيمتراً تقريباً، وتحمل علامات واضحة لمخالب حادة غارت في الأرض قبل ملايين السنين، ما استدعى اهتماماً واسعاً من قبل الخبراء الدوليين والمحليين، الذين توافدوا لمعاينة هذا الكنز الجيولوجي الفريد في قلب المرتفعات.
وأكد عالم الحفريات كريستيانو دال ساسو أهمية هذا الكشف العلمي، معتبراً إياه من أكبر وأقدم المواقع التي رآها خلال مسيرته الطويلة، حيث صنف الموقع كأحد أروع الاكتشافات في إيطاليا، نظراً لعدد الآثار وتنوعها وجودة حفظها الطبيعي رغم مرور الزمن الطويل.
يعتقد الباحثون أن هذه الآثار تعود لقطعان من الديناصورات، وتحديداً فصيلة بلاتيوسورس التي تمتاز بأعناقها الطويلة واعتمادها على الأعشاب، حيث عاشت في هذه المنطقة قبل أكثر من مائتي مليون عام، حينما كانت جبال الألب عبارة عن بحيرات دافئة ومستقرة.
تسبب تحرك الصفيحة الأفريقية باتجاه الشمال في حدوث طي للصخور، التي كانت تشكل قاع البحر القديم في تلك العصور الغابرة، وهو ما أدى في النهاية إلى تشكيل سلسلة جبال الألب، وتحويل وضعية تلك الآثار من الأفقية المستوية إلى وضعية عمودية شاهقة.
ورصد مصور للحياة البرية هذه الآثار بالصدفة خلال شهر سبتمبر، لتبدأ بعدها عمليات التوثيق العلمي الدقيق والمسح الشامل للمنطقة، حيث كشفت الدراسات الأولية عن تسلسل زمني مذهل، يربط بين حركة القارات وتطور الكائنات الحية التي سكنت الكوكب قديماً.
وتساهم هذه الاكتشافات في إعادة فهم جغرافيا القارة الأوروبية، وتوفر مادة بحثية دسمة لعلماء التطور والجيولوجيا حول طبيعة البيئات القديمة، كما تبرز دور العوامل الطبيعية في كشف الأسرار المدفونة تحت طبقات الجليد، التي بدأت بالتراجع لتكشف عما تحتها.
وتستمر البعثات العلمية في تحليل عينات الصخور المحيطة بالآثار، لتقدير درجات الحرارة والظروف الجوية التي سادت في العصر الترياسي، مما يساعد في بناء نموذج محاكاة دقيق للحياة في تلك الحقبة، ويضمن حماية هذا التراث الطبيعي من العوامل الجوية المتقلبة.
تمثل هذه المسارات الطويلة دليلاً حياً على هجرات القطعان الكبيرة، وتفاعلها مع التضاريس التي كانت مختلفة كلياً عما هي عليه اليوم، مما يجعل من جبال الألب الإيطالية متحفاً مفتوحاً يسرد قصة الأرض، منذ أن كانت مجرد أحواض مائية ضحلة وغابات كثيفة.





