منوعات وترفيه

رقصة الدبكة.. من طقس عمراني قديم إلى فن شعبي خالد

تحمل رقصة الدبكة الشعبية، التي تعد من أبرز الفنون التراثية في بلاد الشام، جذوراً تعود إلى عادات قديمة ارتبطت بطرق بناء المنازل وترميمها في الماضي، إذ لم تكن هذه الرقصة في بدايتها فناً استعراضياً بقدر ما كانت عملاً جماعياً ضرورياً لحماية البيوت من برد الشتاء وتسرب الأمطار.

تشير إحدى الحكايات الشعبية المتناقلة إلى أن أهالي القرى في تلك الحقبة كانوا يغطون أسطح منازلهم بأغصان الأشجار، ثم يضيفون فوقها طبقة من الطين لتثبيت السقف وحمايته، غير أن هذه الطبقة كانت تتعرض للتشقق مع هطول الأمطار، مما يهدد المنازل بتسرب المياه إلى داخلها.

وعند حدوث هذه التشققات، كان الجيران وأفراد العائلة يجتمعون على السطح مصطفين في صفوف متراصة، يمسكون بأيدي بعضهم البعض، ويبدؤون بخطوات متناسقة ودكّ الطين بأقدامهم لإغلاق الفجوات، وقد شكل هذا العمل صورة حقيقية للتعاون الجماعي الذي جمع بين الجهد البدني وروح التضامن.

ولأن البرد القارس كان يصعب تحمله أثناء أداء هذه المهمة، كان المشاركون يضيفون إلى خطواتهم الغناء الجماعي، فيرددون الأهازيج الشعبية ويطلقون العبارات الحماسية التي تبعث الدفء في نفوسهم، ليصبح العمل أقرب إلى احتفال مصغر، يجمع بين الجدية والبهجة في آن واحد.

ومع مرور الزمن، تطورت أساليب البناء وتلاشت الحاجة إلى هذه الطريقة البدائية في ترميم الأسطح، إلا أن الرقصة التي ولدت من رحم الحاجة ظلت راسخة في الذاكرة الجمعية، وتحولت تدريجياً إلى فن شعبي يرمز إلى روح التعاون والتكافل الاجتماعي.

ولم تعد الدبكة مجرد خطوات جماعية لضرب الأرض، بل صارت فناً يعبر عن هوية ثقافية ممتدة عبر الأجيال، يؤدى في الأعراس والمناسبات الوطنية والاحتفالات العامة، ليبقى شاهداً على تحول الموروث من عادة عملية إلى تراث فني خالد، يجمع الناس على إيقاع واحد وأمل مشترك.

هكذا، تروي رقصة الدبكة قصة شعب استطاع أن يحول العمل الشاق إلى طقس اجتماعي مبهج، وأن يحافظ عليه كجزء من هويته الثقافية، لتظل الرقصة رمزاً للتلاحم الشعبي، ووسيلة للحفاظ على التراث الذي ينقل من جيل إلى آخر، ويعكس روح الجماعة في أبهى صورها.

المصدر: سوشيال ميديا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى