المطبات الهوائية بين العلم والواقع وتأثيرها على الطيران

تثير المطبات الهوائية قلق المسافرين جواً، فهي لحظات اهتزاز مفاجئة يشعر خلالها الركاب بعدم الارتياح، خاصة مع الأصوات المرافقة أو حركة الأجنحة التي قد تبدو مقلقة، ورغم شيوعها في الرحلات الجوية فإنها ما زالت تثير أسئلة حول حقيقتها ومدى خطورتها على سلامة الطائرة والركاب.
المطبات الهوائية هي اضطرابات تحدث في تدفق الهواء بعد أن كان مستقراً، ويمكن تشبيهها بالدوامات التي تظهر عندما يتكسر دخان صاعد في الهواء، وتتشكل نتيجة أسباب عدة أبرزها العواصف والجبال والتيارات النفاثة، إذ يؤدي اصطدام الهواء بالجبال إلى تموجات واسعة أو تيارات قوية يشعر بها الركاب على شكل اهتزازات، كما أن التيارات النفاثة وهي أحزمة من الرياح القوية حول القطبين تسبب بدورها تغيرات مفاجئة في حركة الهواء، بينما العواصف الرعدية تخلق موجات جوية قد تمتد لمئات الكيلومترات مسببة اضطراباً بعيداً عن مكان العاصفة نفسها.
أكثر أنواع المطبات خطورة هي تلك المعروفة بالاضطرابات في الأجواء الصافية، لأنها تحدث فجأة دون إنذار مسبق، وقد تتسبب في إصابات بين الركاب إذا لم يكونوا مربوطين بأحزمة الأمان، ولهذا يوصي الخبراء دائماً بضرورة ربط الحزام حتى عند إطفاء الإشارة في الطائرة، تفادياً لأي طارئ.
الطيارون يعتمدون على توقعات الطقس وتقارير زملائهم لتجنب المناطق المضطربة، إلا أن هذه الوسائل لا توفر دقة كاملة، إذ إن نماذج الطقس لا تستطيع التنبؤ بالاضطرابات الصغيرة بحجم الطائرة، وقد تكون تقديرات مواقع المطبات خاطئة بعشرات الأميال، لذلك ظهرت في السنوات الأخيرة تقنيات حديثة تعرف بالتنبؤ اللحظي، وهي أنظمة تعتمد على خوارزميات مثبتة في الطائرات ترصد حركة الطائرة والرياح والضغط وتقدم بيانات دقيقة ترسل إلى أنظمة مركزية، ما يتيح توقعاً أفضل ويزيد من أمان الرحلات الجوية.
رغم أن بعض الركاب يظنون أن المطبات قد تؤدي إلى أعطال هيكلية في الطائرة، إلا أن التصميمات الحديثة تخضع لاختبارات قاسية تتجاوز بكثير ما قد تتعرض له أثناء الطيران، كما أن الأجنحة مصممة لتكون مرنة وقابلة للانثناء، وهو عنصر أمان أساسي، إضافة إلى أن المستشعرات الحديثة تراقب الأجزاء المجهدة وتتيح صيانة استباقية تقلل من المخاطر.
البحث العلمي ما زال يستكشف طرقاً لتقليل أثر المطبات على الرحلات، مثل ابتكار تصميمات قادرة على التكيف الفوري مع الاضطرابات عبر التحكم في تدفق الهواء حول الأجنحة، كما أن الدفع الكهربائي يعد مجالاً واعداً لأنه يسمح بتوزيع المحركات على أجزاء مختلفة من الطائرة، ما يمنح مرونة أكبر في التصميم، ومع ذلك فإن هذه الحلول لا تزال في طور الدراسة.
تتوقع الدراسات أن تؤدي التغيرات المناخية إلى زيادة حدة المطبات مستقبلاً، خاصة في مناطق أمريكا الشمالية وأوروبا بين عامي 2050 و2080، وهو ما يستدعي أن تكون الطائرات الحالية والمستقبلية قادرة على مواجهة هذه التحديات.
ولتفادي القلق أثناء السفر، ينصح الخبراء باختيار الرحلات الصباحية حيث تقل الاضطرابات، والجلوس في مقدمة الطائرة حيث يكون التأثير أخف، إضافة إلى الالتزام بربط الحزام طوال الرحلة، وإبلاغ الطاقم عند الشعور بالخوف، كما أن استخدام تطبيقات الطقس يساهم في طمأنة الركاب وإعطائهم فكرة أوضح عن طبيعة الرحلة.
ورغم أن المطبات الهوائية قد تبدو مزعجة، فإن العلم يؤكد أنها جزء طبيعي من الطيران ولا تشكل خطراً حقيقياً على سلامة الطائرات، وأن التكنولوجيا الحديثة تزيد من قدرة شركات الطيران على التعامل معها وتقليل آثارها.





