فيسبادن الألمانية… عاصمة الينابيع الحارة منذ العصر الروماني

شهدت ينابيع المياه المعدنية الحارة في ألمانيا تاريخًا طويلًا ارتبط بالحضارة الرومانية التي أولتها اهتمامًا كبيرًا، إذ لم تكن مجرد أماكن للاستحمام، بل مراكز اجتماعية وثقافية تجمع بين الاسترخاء والقراءة والنقاش، وكانت تصمم بعمارة متقنة تضم غرفًا واسعة جيدة التهوية وأعمدة وقباب مركزية، وزينت بالبلاط الفسيفسائي والجدران الرخامية، واحتوت على حمامات بدرجات حرارة مختلفة، إضافة إلى حمامات البخار وأحواض السباحة الخارجية وغرف تغيير الملابس.
وانتشرت هذه المجمعات في مختلف أرجاء الإمبراطورية، ومنها مناطق في ألمانيا التي اكتشف فيها الرومان ينابيع طبيعية دافئة دفعتهم لتأسيس مدينة فيسبادن، التي اشتهرت باحتوائها على 26 ينبوعًا حراريًا.
واستمرت فيسبادن حتى اليوم كوجهة للسياحة العلاجية، حيث يمكن للزوار مشاهدة الينابيع والنوافير وشرب مياهها الغنية بالمعادن وفق استشارة طبية، إذ تحتوي على تركيزات عالية تجعلها غير مناسبة للشرب الدائم، وتتشابه هذه الينابيع مع نظيراتها في أيسلندا ونيوزيلندا وأستراليا واليابان وتركيا والولايات المتحدة، حيث يسخن الماء بفعل الصخور العميقة أسفل القشرة الأرضية ويتدفق عبر الشقوق إلى السطح.
وتنتج ينابيع فيسبادن نحو مليوني لتر من المياه يوميًا، مما ساهم في تأسيس مرافق استحمام حديثة أبرزها كوخبرونن في ساحة كرانزبالتس التي تحيط بها مبانٍ تاريخية وفنادق فاخرة، ويعود تاريخ بعضها إلى القرن الخامس عشر.
ويعد ينبوع كوتشبرونن من المعالم المميزة، إذ يضخ 880 لترًا من الماء في الدقيقة بدرجة حرارة 68 مئوية، وتنبعث منه أبخرة خفيفة، وتتميز مياهه بمحتوى مرتفع من الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، وتتكون حوله رواسب ملونة استخدمتها النساء الرومانيات قديمًا لصبغ الشعر.
وقد أشار كتاب وشعراء رومانيون إلى فوائد هذه الينابيع ومنها منع تساقط الشعر، ولا تزال بعض مياهها تستخدم في تدفئة المباني المجاورة.
ويبرز أيضًا ينبوع باكربرونن في حي ألتشتاتشيفشن، الذي ارتبط بالمخابز في العصور الوسطى حيث استعملت مياهه في إعداد أنواع خاصة من الخبز، ويقع اليوم وسط مقاهٍ ومحلات تجارية، داخل مبنى يعود إلى أوائل القرن العشرين، بطراز يجمع الطوب والخشب التقليدي الألماني الذي صمم للحفاظ على دفء المنازل خلال الشتاء.
كما تضم المدينة ينبوع شوتزينهوفكويل الذي استخدمه الرومان كمنتجع صحي لجنودهم، وتحتوي مياهه على معادن متنوعة بدرجات حرارة أقل من الينبوعين السابقين، وقد استعملت مياهه في فنادق فاخرة خلال القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، واليوم يقع وسط منطقة تجارية حديثة.
ويظل شارع النغاسه شاهدًا على التاريخ، إذ كان محور الحمامات الرومانية في العصور الوسطى، ومع مرور الزمن وتطور المدينة، حافظت فيسبادن على شهرتها كعاصمة للينابيع الحارة، تجمع بين إرث روماني عريق وبنية سياحية متطورة تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
المصدر: القبس





