جزر بحر إيجه تروي قصة نزاع وحضارة وتنوع

تقع جزر بحر إيجه في المنطقة الواقعة بين الساحلين الغربي لتركيا والشرقي لليونان، وتشكل إحدى أبرز المناطق الجغرافية التي تجمع بين الإرث التاريخي والنزاع السياسي والموقع الاستراتيجي، حيث تمتد هذه الجزر ضمن الحوض الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، وترتبط بالبحر الأسود عبر بحر مرمرة مرورًا بمضيقي الدردنيل والبوسفور، ويعود اسمها القديم إلى “أرخبيلاجو”، ويبلغ عددها أكثر من 1400 جزيرة، من بينها نحو 200 جزيرة مأهولة بالسكان.
وتغطي هذه الجزر مساحة إجمالية تقارب 6470 كيلومترًا مربعًا، وتُعد جزيرتا بوزجادا وغوكتشة الواقعتان بالقرب من الساحل التركي من أبرز الجزر التركية، بمساحة تصل إلى 327 كيلومترًا مربعًا، بينما تُقسم باقي الجزر إلى سبع مجموعات رئيسية تشمل جزر تراقيا والسيكلادية والدوديكانية وكريت، وتشكل هذه المجموعات إطارًا جغرافيًا وثقافيًا متنوعًا يُظهر تداخل النفوذ بين القوى الإقليمية على مدار قرون.
وتُعد الجزر في معظمها تابعة للسيادة اليونانية، حيث تملك اليونان قرابة 1300 جزيرة، وتضم جزرًا شهيرة مثل كريت ورودوس وساموس ولسبوس، إضافة إلى المجموعات الصغيرة الأخرى، بينما لا تمتلك تركيا سوى عدد محدود من الجزر، يقتصر على بوزجادا وغوكتشة.
وتعود جذور هذا التقسيم إلى الاتفاقيات الدولية التي أُبرمت بعد الحروب الكبرى، إذ سيطرت اليونان بعد الحرب العالمية الأولى على أجزاء من الأراضي العثمانية، بما فيها بعض الجزر، بموجب تفاهمات سياسية استندت إلى معاهدة لندن 1913، وتوجت باتفاق 1914 بين القوى الكبرى.
وبعد انتصار القوات التركية في حرب الاستقلال، قبلت أنقرة بالتخلي عن المطالبة بتلك الجزر ضمن بنود معاهدة لوزان 1923، شرط أن تبقى الجزر القريبة من السواحل التركية منزوعة السلاح لضمان توازن أمني بين الدولتين، ثم شهدت الجزر نقل السيادة مجددًا خلال الحرب العالمية الثانية، إذ انتقلت من سيطرة إيطاليا إلى ألمانيا فبريطانيا، ثم سُلّمت إلى اليونان نهائيًا في معاهدة باريس 1947، مع إعادة التأكيد على شرط عدم تسليح الجزر.
ويقطن في الجزيرتين التركيتين نحو 18 ألف نسمة، بينما يصل عدد سكان جزيرة رودوس اليونانية إلى 117 ألف نسمة، وتُعد التركية واليونانية اللغتين الرسميتين الأوسع انتشارًا، في حين تظهر لغات أوروبية مختلفة في الجزر التي تعتمد على السياحة.
وتشكل جزر بحر إيجه امتدادًا لحضارات قديمة نشأت على سواحل هذا البحر، بدءًا من الكريتيين ومرورًا بالإغريق ثم الفرس والرومان والبيزنطيين والعثمانيين، وتعكس هذه الحضارات تاريخًا طويلًا من الصراع والسيطرة المتبادلة التي لم تهدأ إلا مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتحوّلت المنطقة منذ عام 2013 إلى واحدة من أبرز مسارات الهجرة غير النظامية، حيث يسعى آلاف المهاجرين للعبور من تركيا نحو الجزر اليونانية بسبب قربها الجغرافي من أوروبا، وشهدت المياه المفتوحة في هذا البحر مآسي إنسانية كثيرة، كان أبرزها حادثة غرق الطفل السوري إيلان كردي عام 2015، التي هزّت الرأي العام العالمي.
ويحتفظ بحر إيجه بأهميته الاقتصادية، كونه ممرًا تجاريًا نشطًا، وتُعد الجزر مركزًا للسياحة والزراعة والتعدين، وتضم مواقع أثرية بارزة مثل قصر مينوس في كريت، والمدينة القديمة في رودوس المصنفة ضمن التراث العالمي، إلى جانب القلاع العثمانية والمتاحف المنتشرة في الجزر التركية.
المصدر: سوشيال ميديا





