“ممر البقرة”.. مضيق البوسفور أصغر ممر مائي في العالم

يفصل مضيق البوسفور بين قارتي آسيا وأوروبا، ويقسم مدينة إسطنبول إلى شطرين مختلفين جغرافيًا وثقافيًا، رغم ترابطهما عبر جسور وأنفاق وممرات حديثة، إذ يُعد هذا المضيق الذي لا يتجاوز عرضه 550 مترًا في أضيق نقطة، أصغر ممر مائي طبيعي في العالم من حيث العرض، إلا أنه يشكل أحد أعقد المعابر المائية من حيث الأهمية التاريخية والموقع الجغرافي، ويتجاوز دوره مجرد كونه قناة مائية، إذ أصبح على مدى قرون رمزًا للتمازج الحضاري ونقطة التقاء الشعوب.
يربط البوسفور البحر الأسود ببحر مرمرة، ومنه إلى البحر المتوسط، ما يجعله ممرًا حيويًا للملاحة العالمية، تمر عبره آلاف السفن سنويًا محمّلة بالبضائع والطاقة والسلع الاستراتيجية، وقد شكّل عبر التاريخ نقطة صراع وسيطرة بين إمبراطوريات كبرى، من البيزنطيين إلى العثمانيين، لما له من قيمة عسكرية وتجارية وجغرافية.
وتعود تسمية المضيق إلى اللغة اليونانية القديمة، حيث يُطلق عليه “بوس فوروس”، ويعني “ممر البقرة”، وهو الاسم المرتبط بأسطورة يونانية قديمة عن عبور الإلهة “أيو” المضيق بعدما حولها زيوس إلى بقرة هربًا من غضب زوجته هيرا.

ويتمتع البوسفور بجاذبية سياحية نادرة، إذ يقصده الزوار من أنحاء العالم للاستمتاع بمشهد التقاء القارتين، ومشاهدة القصور والمباني القديمة على ضفتيه، إلى جانب التجول بالقوارب التي تنقل الركاب بين الضفتين، مرورًا بمواقع تاريخية مثل قصر دولمة بهجة وقلعة روملي حصار، كما يشتهر بجسوره الثلاثة التي تُعد من أبرز المعالم الهندسية في تركيا، وأهمها جسر شهداء 15 يوليو الذي يربط الجانبين الآسيوي والأوروبي لإسطنبول.
ويُعد البوسفور أيضًا محورًا لحياة ملايين السكان الذين يعيشون على ضفافه، إذ يرتبط بالحركة اليومية للسكان، سواء عبر السفن أو المترو البحري، ويحتضن عددًا من الأحياء والموانئ والأسواق التي تنبض بالحركة والتجارة، كما أن وجوده في قلب إسطنبول ساهم في تشكيل طابع المدينة المعماري والثقافي، وأكسبها مكانة سياحية خاصة، حيث يلتقي فيه الشرق بالغرب في مشهد لا يتكرر في أي مدينة أخرى.
ويستمر البوسفور في لعب دوره كممر حيوي للسياسة والطاقة والنقل، إذ تزداد أهميته مع تطورات الملاحة العالمية، وازدياد الاعتماد على طرق بديلة لتصدير ونقل النفط والغاز، كما تبذل تركيا جهودًا متواصلة في تنظيم الحركة فيه، وتقليل المخاطر البيئية المحتملة، مع استمرار الجدل حول مشروع “قناة إسطنبول” الموازية للمضيق، والذي يثير نقاشًا واسعًا حول جدوى فتح ممر جديد في منطقة حساسة من الناحية البيئية والاقتصادية.
المصدر: أطلس الجغرافيا والتاريخ





