أخبار سياحيةمطاعم ومأكولات

شينغ ماي التايلندية تحتضن السائح العربي بصيف لا يُنسى

تتربّع مدينة شينغ ماي على المرتفعات الشمالية لتايلند، متوشحة بغطاء من الغابات الكثيفة والضباب، محتفظة بسحر خاص يجمع بين هدوء الطبيعة وتنوّع الثقافات، في مشهد نادر يجعلها وجهة لا تشبه غيرها.

هذه المدينة، التي تُعد ثاني أكبر محافظة في البلاد بعد بانكوك، لم تعد مجرد محطة على خريطة السياحة التايلندية، بل تحوّلت إلى ملاذ آمن ووجهة مفضلة للسيّاح العرب، لا سيما الباحثين عن التجربة الأصيلة والبيئة الآسرة.

الرحلة تبدأ من مطار البحرين الدولي إلى العاصمة بانكوك في رحلة طويلة نسبياً، ثم يتبعها انتقال داخلي قصير إلى شينغ ماي، يستقبلك خلاله مطار المدينة بطاقم ودود، وإجراءات منظمة، تعكس الاحترام العميق للزائر، وتُشعره منذ البداية أنه في مدينة تقدّر السياحة كقيمة لا كمجرد مصدر دخل.

في قلب جبالها يقع متنزه دوي إنثانون الوطني، الذي يحتضن أعلى قمة جبلية في تايلند بارتفاع يتجاوز 2565 متراً، حيث تصبح نسمات الهواء المحمّلة بعبق الزهور تجربة حسّية لا تُنسى، يُعد هذا الموقع من أهم المحطات في الرحلة، خاصة لمحبي المشي لمسافات طويلة واستكشاف الطبيعة الوعرة، إذ تتناثر الشلالات في زواياه وتنتشر الغابات في أرجائه، كما أن درجات الحرارة المنخفضة تضفي مزيداً من الانتعاش والسكينة.

ولا يمكن الوصول إلى هذا المكان دون أن تخطف الأنظار المعابد التوأم الملكية، وهي تحف معمارية بوذية شُيّدت تكريماً للأسرة الملكية، وتحيط بها حدائق مترفة الجمال، تشكل مساحات مفتوحة للتأمل والتصوير في أوقات الشروق والغروب.

من المشاهد اللافتة التي تميز شينغ ماي، زيارة محميات الفيلة المنتشرة في ضواحي المدينة، حيث يمكن للزائر أن يطعم الفيلة، أو يركب على ظهورها، أو حتى يشاركها لحظات استحمام في النهر، وهي لحظات مرحة وعفوية يستمتع بها الكبار قبل الصغار.

أما في أقصى الشمال، فتتجلى التقاليد الأكثر غرابة في قرية “لونغ نِك كارين”، حيث ترتدي النساء حلقات نحاسية حول أعناقهن، في تقليد قبلي قديم يعتبر طول العنق مقياساً للجمال، هناك يمكن للزائر أن يختلط بالحياة اليومية للسكّان، يتأمل الأكواخ الخشبية، ويرى الحرف اليدوية التي لا تزال تُصنع يدوياً ببراعة تنمّ عن أصالة متجذّرة.

من العوامل الجاذبة للعائلات العربية في شينغ ماي انتشار المطاعم التي تقدم الطعام الحلال، بدءاً من الكبسة والمشاوي ووصولاً إلى المقبلات الشامية، حيث يدير العديد منها مستثمرون عرب، وخاصة من الأردن، ما يمنح الزائر المسلم طمأنينة على مائدته، مع نكهة عربية في قلب آسيا.

وفي المقابل، تحتفظ الأطعمة التايلندية بطابعها الخاص، من خلال مكوّنات طازجة مثل الزنجبيل والليمون العشبي والفلفل الحار، ويُعد حساء “توم يام” أحد أبرز الأطباق التي تمثل المطبخ المحلي.

المطاعم نفسها، وإن تنوعت، إلا أن أغلبها يحتفظ بلمسة ريفية ساحرة، إذ تُحضّر الأطباق من منتجات المزارع المحلية، ما يجعل تجربة الطعام جزءاً من رحلة التعرّف على بيئة المدينة.

تسير تايلند بخطى واضحة نحو ترسيخ مفهوم السياحة المستدامة في شينغ ماي، حيث تعمل الحكومة على تطوير البنية التحتية من طرق واتصالات وخدمات إقامة، وتوفير خيارات تناسب مختلف الشرائح.

ويُعد سهولة التنقل وتوفّر وسائل النقل الحديثة عاملاً إضافياً يعزز من جاذبية هذه الوجهة، إضافة إلى دعم الدولة للمستثمرين الراغبين في تطوير القطاع السياحي بطريقة تحترم البيئة وتحفظ التراث.

تغادر المدينة وأنت تحمل في ذاكرتك صوراً حيّة لمزيج نادر من الأسواق الشعبية والمعابد العتيقة، مع شوارع أنيقة ومرافق عصرية، ومشاهد تحاكي الحلم، وأناس يبتسمون لك بلا مقابل.

في شينغ ماي، يلتقي الماضي بالحاضر دون صراع، وتُصاغ التجربة بروح فريدة تجعل من زيارتها شيئاً أكثر من مجرد رحلة… بل ذكرى طويلة الأمد تسكن الوجدان.

المصدر: الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى