أخبار سياحيةطيران

تفاؤل حذر يرافق صعود قطاع الطيران العالمي

يبزغ قطاع الطيران مجددًا في الأفق الاقتصادي العالمي كإحدى أبرز العلامات المضيئة، وسط ضباب كثيف من الشكوك وعدم اليقين الذي يخيّم على الأسواق والاقتصادات الكبرى، فعلى الرغم من التقلبات الحادة التي يشهدها المشهد الاقتصادي العالمي بفعل التوترات التجارية، والاضطرابات الجيوسياسية، وموجات التضخم المتلاحقة، فإن قطاع الطيران يبدو كمن يمتلك مفاتيح الصمود والاستمرار، بل والازدهار، في عام يتوقع له المحللون أن يشهد تباطؤًا واضحًا في النمو الاقتصادي الكلي، هذا التناقض بين تراجع التوقعات العالمية من جهة، وتنامي مؤشرات الأداء الإيجابي في صناعة الطيران من جهة أخرى، يسلط الضوء على مرونة هذا القطاع وقدرته الفائقة على التكيف مع المتغيرات.

يسجل العام 2025 حضورًا واعدًا لقطاع الطيران، وفقًا لتقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، والتي كشفت عنها مؤخرًا شبكة “سي إن بي سي” ونقلتها أيضًا “سكاي نيوز عربية”، حيث تُظهر البيانات أن الأرباح الصافية للقطاع مرشحة لأن تبلغ 36 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ32.4 مليار دولار في عام 2024.

كما يُتوقع أن يرتفع هامش صافي الربح إلى 3.7% بعد أن كان 3.4% في العام الماضي، فيما يُنتظر أن تصل الإيرادات الإجمالية إلى رقم قياسي جديد يلامس 979 مليار دولار، هذه الأرقام لا تعني فقط تعافيًا اقتصاديًا، بل تمثل مؤشراً على دخول القطاع في مرحلة استقرار نسبي بالرغم من التحديات المستمرة.

وقد ارتكز هذا التحسن الملموس على عاملين رئيسيين أسهما في دفع القطاع إلى الأمام: أولًا، انخفاض تكاليف وقود الطائرات نتيجة تراجع أسعار الطاقة في بعض الأسواق، وهو ما خفف من عبء التشغيل على الشركات، وساهم في تحسين هوامش الربح.

وثانيًا، التحول المستمر نحو تعزيز الكفاءة التشغيلية، سواء من خلال الاعتماد المتزايد على الطائرات ذات الاستهلاك المنخفض للوقود، أو من خلال تحسين جداول الرحلات وشبكات النقل بما يتماشى مع الطلب العالمي المتغير.

ومن بين العوامل الأخرى التي ساهمت في بث روح التفاؤل، تعافي الطلب على السفر الجوي، وخاصة في مناطق آسيا والشرق الأوسط، وهو ما عزز إشغال المقاعد، ورفع من معدل العوائد لكل راكب/كيلومتر، ويبدو أن السفر بغرض الترفيه والأعمال، قد استعاد بريقه بعد أعوام من القيود الصحية وسلاسل التباطؤ الناجمة عن جائحة كوفيد-19.

في هذا السياق، بات من الملاحظ أن شركات الطيران تعيد توسيع وجهاتها وتستأنف رحلاتها إلى أسواق جديدة وقديمة على حد سواء، فيما تستعد مطارات كبرى لتوسيع بنيتها التحتية لمواكبة هذه العودة القوية.

غير أن هذا التفاؤل لا يخلو من الحذر، إذ ما تزال بعض التحديات تلوح في الأفق، مثل احتمالات عودة ارتفاع أسعار النفط، أو ظهور موجات جديدة من التوترات الجيوسياسية التي قد تُعيق حركة النقل الجوي في بعض المناطق الحساسة.

كما تبقى بعض الأسواق الناشئة عرضة لتقلبات سعر الصرف والتضخم، مما قد ينعكس على القدرة الشرائية للمستهلكين ويقلص من الطلب على السفر الدولي.

ورغم ذلك، فإن قطاع الطيران يبدو عازمًا على التحليق فوق هذه التحديات، بفضل ما راكمه من خبرات استراتيجية خلال الأزمات الأخيرة.

وفي ظل هذه المعطيات، يُنظر إلى قطاع الطيران على أنه أحد القطاعات التي تقدم مساهمة حيوية في تثبيت استقرار الاقتصاد العالمي، بل وربما تقوده نحو تعافٍ أسرع من المتوقع، خاصة إذا ما استمرت العوامل الإيجابية الحالية في دعم النمو الربحي والتوسعات التشغيلية.

كما أن ثقة المستثمرين بدأت تعود تدريجيًا إلى أسهم شركات الطيران، التي شهدت انتعاشًا ملحوظًا في أسواق المال خلال الأشهر الأخيرة.

من جهتها، ترى المؤسسات المالية العالمية أن قدرة قطاع الطيران على الصمود والازدهار في وجه الأزمات تعكس تحولات جوهرية في بنيته الإدارية والتشغيلية، إذ باتت الشركات أكثر حرصًا على إدارة المخاطر وتنويع مصادر الإيرادات، فضلاً عن تسريع التحول نحو الطيران المستدام والتقنيات الصديقة للبيئة، هذه العوامل مجتمعة، تُضفي على القطاع صفة “المُرَن والمستعد”، ليكون أحد أقطاب النمو العالمي حتى في أحلك الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى