وجهات سياحية

كورسيكا الفرنسية جزيرة بهوية إيطالية قديمة

تخطف جزيرة كورسيكا أنظار الزوار منذ اللحظة الأولى، ليس فقط بجمالها الطبيعي الأخّاذ، بل أيضًا بغموض هويتها المتأرجحة بين الانتماء السياسي إلى فرنسا والارتباط الثقافي والتاريخي الوثيق بإيطاليا.

تنفرد هذه الجزيرة الواقعة في قلب البحر الأبيض المتوسط بتاريخ طويل، وجغرافيا وعرة، وتراث غني جعلها أشبه بلوحة متحركة تتحدث بلغة الجبال والبحر، فرغم كونها جزءًا من الدولة الفرنسية منذ عام 1769، فإن نكهتها الاجتماعية والثقافية تستمد الكثير من روح البحر الأدرياتيكي والريف الإيطالي، ما جعلها واحدة من أكثر المناطق الأوروبية تفرّدًا وتنوعًا.

تحتل كورسيكا مساحة تقارب 8,680 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها قرابة 340,000 نسمة، يعيش معظمهم على سواحلها أو في قرى جبلية تتوزع فوق مرتفعاتها التي تُغطي نحو 86% من أراضيها، هذه الطبيعة الجبلية، إلى جانب أكثر من 200 شاطئ خلاب، منحا الجزيرة شخصية متناقضة تجمع بين العزلة الساحرة والانفتاح البحري.

ويُعتبر جبل “مونتي سينتو”، الذي يرتفع إلى أكثر من 2,700 متر، أعلى نقطة فيها، مشرفًا على محميات طبيعية مثل “سكندولا” التي أدرجتها اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي.

ولدت كورسيكا من رحم التناقضات؛ فهي أرض نابليون بونابرت الذي وُلد فيها عام 1769، لكنها لم تتوقف عن الحلم بالاستقلال، كما فعلت لفترة قصيرة في منتصف القرن الثامن عشر عندما أعلنت نفسها جمهورية مستقلة بقيادة باسكال باولي، ووضعت أول دستور ديمقراطي مكتوب في أوروبا، هذا التاريخ السياسي الثري يُترجم إلى شعور قوي بالهوية لدى سكان الجزيرة، الذين يتحدثون اللغة الكورسيكية ذات الجذور الإيطالية، ويحتفلون بتقاليد محلية تجمع بين الغناء الجماعي والمهرجانات الزراعية والمواسم الدينية ذات الطابع الشعبي.

تشتهر كورسيكا بمأكولاتها الخاصة مثل جبن “بروتشو” المصنوع من حليب الغنم، وعسلها الذي يتميز بنكهات فريدة تستمدها من نباتات وأزهار الجزيرة البرية.

أما بلدة “بونيفاسيو”، التي تبدو وكأنها معلّقة فوق منحدرات جيرية شاهقة، فتوفر مشهدًا بانوراميًا يُخطف له الأنفاس، إلى جانب كونها ميناء طبيعيًا مثاليًا للرحلات البحرية.

وفي بلدة “كالفي”، لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كان كريستوفر كولومبوس قد وُلد هناك، ما يضيف بُعدًا تاريخيًا إضافيًا لجاذبية المكان.

كورسيكا ليست فقط وجهة لمحبي الطبيعة، بل هي أيضًا ملاذ للباحثين عن تجربة ثقافية مختلفة، إذ تقدم مزيجًا نادرًا من الأصالة والتنوع، هنا يمكنك أن تمشي في درب GR20 الشهير، أحد أصعب مسارات المشي في أوروبا، أو تشارك في مهرجانات محلية مثل “Fiera di u Casgiu” حيث يُحتفل بالجبن كما لو كان رمزًا وطنيًا.

ومن الجبال التي قد تراها مغطاة بالثلج، إلى الشواطئ التي يمكن السباحة فيها في الوقت ذاته، لا تكف كورسيكا عن مفاجأة زائريها بطبيعتها الثنائية الفريدة التي لا يمكن اختصارها في صورة أو وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى