ليتشي الإيطالية.. سحر الجنوب ومجد التاريخ

تُدهشك ليتشي، المدينة الواقعة جنوب إيطاليا، منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها أقدامك شوارعها المرصوفة بالحجر، وتأسرك بعمارتها الباروكية المتقنة، التي حوّلت هذه المدينة القديمة إلى لوحة فنية مفتوحة تنبض بالحياة.

تستحضر ليتشي عبق التاريخ في كل زقاق، وتحكي عبر جدرانها المزخرفة وأسوارها الحجرية قصة امتدت لأكثر من ألفي عام، منذ أن أسّسها شعب الميسابي القادِم من شرق البحر الأدرياتيكي، وجعلوا منها قاعدة حضارية ما تزال تنبض بالحضارة حتى اليوم.

تشتهر ليتشي بكونها “فلورنسا الجنوب”، وهو لقب لم يُطلق عبثًا، بل يعود إلى ما تمتاز به من إرث معماري وفني شبيه بما تزخر به مدينة فلورنسا الشهيرة، مركز النهضة الإيطالية.

ويُعتقد أن هذا اللقب أُطلق للمرة الأولى من قبل الفيلسوف والرحالة جورج بيركلي في القرن الثامن عشر، حين زار المدينة ووصفها بأنها فلورنسا مصغّرة محاطة بأسوار الحماية، ووجد فيها ما لم يكن متوقعًا في جنوب إيطاليا، الذي كان يُنظَر إليه آنذاك باعتباره منطقة هامشية وخطرة.

وبرغم ذلك، وجد بيركلي في ليتشي مدينة تنبض بالفن وتزدهر بالتاريخ، لتُصبح بمرور الوقت رمزاً للجمال المنحوت في الحجر.

يقف الحجر الجيري الأصفر الذهبي شاهداً على عبقرية الحرفيين المحليين، الذين حوّلوه عبر القرون إلى تحف فنية تزين الكنائس والقصور والمباني العامة.

لا تكتفي ليتشي بعرض هذا الجمال التاريخي، بل تستمر في إحياء فن النحت وصناعة الحجارة حتى يومنا هذا من خلال شخصيات بارزة مثل النحات رينزو بوتاتزو، الذي يقدّم ورش عمل تفاعلية لزوار المدينة، موضحًا كيف أن سالينتو – المنطقة التي تنتمي إليها ليتشي – تقدم أكثر من مجرد شمس وبحر.

أعمال رينزو المنتشرة في حديقة تحمل اسمه تُعد تجسيدًا حيًا لتاريخ المدينة المتجدد، وقد نال بفضلها وسام الاستحقاق للجمهورية الإيطالية عام 2001.

وسط هذا الزخم التاريخي والفني، تزخر ليتشي بعدد من المعالم السياحية التي تجعلها وجهة لا يمكن تفويتها، تبدأ الرحلة من ساحة الكاتدرائية، قلب المدينة النابض، والتي تحتضن كاتدرائية ليتشي المهيبة، مرورًا ببازيليكا سانتا كروتشي، التي تُعتبر تحفة باروكية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بتفاصيلها الدقيقة ومنحوتاتها المدهشة، ثم تظهر قلعة كارلو الخامس، التي بُنيت لحماية المدينة وتحولت اليوم إلى مركز للمعارض الفنية والثقافية.

أما المدرج الروماني الكائن في قلب المدينة، فيُذكّر الزائرين بأن ليتشي لم تكن فقط معقلًا للفن، بل أيضًا مركزًا ثقافيًا هامًا منذ العصور القديمة.

من خلال هذا المزيج الآسر بين الماضي والحاضر، وبين الفن والحياة اليومية، تبرز ليتشي كواحدة من أجمل الوجهات في إيطاليا، تتحدّى الزمن وتُعيد تعريف الجمال في الجنوب الإيطالي بلمسة ذهبية من حجرها ونبضٍ لا يهدأ في شوارعها.