200 نقشًا إسلاميًا توثق بدايات الخط العربي بنجران

تحتضن نجران موقعًا فريدًا من نوعه يُجسد مرحلة محورية في تطور الفن الإسلامي المبكر، ويتمثل هذا الموقع في “جبل الذرواء” الواقع جنوب متنزه الملك فهد، والذي تتناثر على صخوره أكثر من 200 نقش بالخط الكوفي، تُعد من أقدم الشواهد على نشأة وتطور الكتابات الإسلامية في شبه الجزيرة العربية.
يبرز “جبل الذرواء” بوصفه معلمًا أثريًا وسياحيًا وثقافيًا، تتجلى على جوانبه نقوش كوفية دقيقة تُمثل توثيقًا حيًا للحياة الدينية والفكرية في القرون الهجرية الأولى، إذ يعود أغلب هذه النقوش إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين، بحسب تحليل الأسلوب الكتابي وأسماء الشخصيات المنقوشة على الصخور.
يكشف المسح الأثري الذي أُجري في المنطقة عن توثيق 33 نقشًا إسلاميًا على صخور الجبل، منها 26 نقشًا تعود لأفراد أسرة واحدة، ما يعكس ترابطًا اجتماعيًا ودينيًا في فترة كانت النقوش وسيلة للتعبير عن المعتقدات والقيم، حيث تضمنت معظم العبارات المكتوبة أدعية دينية وصيغًا تعبّر عن التوحيد والإيمان بالموت والصلاة على النبي محمد، وهو ما يؤكد عمق الرسالة الدينية التي كانت تُنقش بدقة على الأحجار لتبقى خالدة.
أشار أستاذ اللغات السامية والآثار بجامعة الملك سعود الدكتور سالم بن أحمد بن طيران إلى أهمية هذه النقوش باعتبارها مصادر مباشرة لدراسة بدايات الخط الإسلامي وتاريخ الحضارة الإسلامية، وأوضح أن نجران تحفل بعدد كبير من هذه الشواهد المنقوشة في أماكن متعددة، لكن “جبل الذرواء” يُعد من أبرزها لما يحتويه من عدد كبير من النقوش التي تعود لفترة إسلامية مبكرة جدًا.
كما بيّن المرشد السياحي عبدالله الصقور أن بعض هذه النقوش نُفذت بأيدي نساء، نقشن أسماءهن ورسائل قصيرة ذات طابع ديني أو تذكاري، ما يعكس انتشار التعليم والثقافة الدينية بين مختلف أفراد المجتمع، بما في ذلك النساء، خلال تلك المرحلة، وهو ما يعطي هذه النقوش قيمة إنسانية إلى جانب قيمتها الأثرية.
تُعد هذه الشواهد الصخرية توثيقًا مباشرًا لتحولات الخط العربي من شكله النبطي إلى الكوفي، وترصد ملامح تطوره الفني في منطقة جنوب الجزيرة العربية، في وقت لم تكن فيه وسائل التوثيق سوى النقش على الحجر. كما تمثل هذه النقوش مادة خام للباحثين في التاريخ الإسلامي والدراسات اللغوية، لما تتضمنه من صيغ وأساليب لغوية دقيقة.
ويتوافد الزوار من داخل المنطقة وخارجها للاطلاع على هذا المعلم الأثري، الذي يجمع بين السياحة الثقافية والتاريخية، في تجربة توثق جزءًا من ذاكرة الحضارة الإسلامية المبكرة.





