وجهات سياحية

السعودية تحقق إنجازًا فلكيًا جديدًا.. أول وجهة “سماء مظلمة” في الشرق الأوسط

شهدت المملكة العربية السعودية في أواخر عام 2024 تطورًا لافتًا في مجال السياحة الفلكية، حيث أصبحت أول دولة في الشرق الأوسط تحصل على شهادة “حديقة السماء المظلمة” من منظمة “DarkSky International” التي تهدف إلى الحد من التلوث الضوئي وحماية السماء الليلية، هذه الشهادة التي مُنحت لمحمية “منارة العلا” ومحمية “الغراميل” تضع السعودية في موقع متقدم في مجال السياحة الفلكية وتفتح أمامها آفاقًا جديدة لجذب السياح المهتمين بعلم الفلك والمراقبة الليلية للنجوم.

مشهد النجوم من السعودية

لطالما كانت السماء الليلية في السعودية مقصدًا للعديد من المهتمين بمراقبة النجوم، لكن الأمر أصبح أكثر بروزًا بعد أن تم تصنيف محميتي “منارة العلا” و”الغراميل” كأول مواقع للسماء المظلمة في المنطقة.

وقد أضافت هذه الشهادة قيمة كبيرة للمملكة في مجال السياحة الفلكية، إذ تتيح للمسافرين فرصة استكشاف السماء المليئة بالنجوم بعيدًا عن التلوث الضوئي الذي يؤثر في العديد من المناطق الحضرية.

تتذكر سارة سامي، المصورة البحرينية والمرشدة السياحية، أول تجربة لها تحت السماء السعودية، عندما كانت تستكشف منطقة “حافة العالم”، وهي إحدى الوجهات الشهيرة في السعودية، تقول سارة: “كان هناك غطاء من النجوم فوقنا مباشرة، يمكنك رؤية الآلاف منها، وكأنها لا تنتهي. كان مشهدًا رائعًا”، ومنذ تلك اللحظة، أصبحت سارة تقود جولات سياحية إلى صحراء المملكة، حيث يمكن للزوار مشاهدة مجرة درب التبانة بوضوح.

الحفاظ على السماء المظلمة

تحرص المملكة العربية السعودية على الحفاظ على نقاء السماء الليلية في هذه المحميات الفلكية، من خلال تطبيق تصميمات إضاءة دقيقة تمنع التلوث الضوئي، حيث يتم توجيه الإضاءة نحو الأسفل لضمان عدم تأثر المشهد الفلكي.

وقد أشار غاري فيلدز، المدير الأول لمرصد “منارة العلا”، إلى أن المرصد يعمل حاليًا على وضع دليل للإضاءة الخاصة بالمشاريع الجديدة في المنطقة، بما يضمن رؤية السماء بشكل طبيعي لأجيال قادمة.

يعد هذا الالتزام بالحفاظ على السماء الليلية جزءًا من رؤية المملكة السياحية، والتي تهدف إلى تطوير قطاع السياحة الفلكية وتحقيق الاستدامة البيئية، وفي هذا السياق، صرح فيلدز لـCNN قائلاً: “منذ أن تم تصنيف السماء في العلا كـ”سماء مظلمة”، بدأنا في تطوير مبادرات جديدة لجعل هذا الموقع نقطة جذب رئيسية للسياحة الفلكية في المنطقة”.

السياحة الفلكية: قطاع متنامٍ

شهد قطاع السياحة الفلكية نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أضحى جزءًا من السياحة المستدامة التي تجذب العديد من الزوار، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن السياح المهتمين بعلم الفلك يساهمون بشكل كبير في الاقتصاد من خلال إنفاقهم على الإقامة، الطعام، والمعدات الفلكية.

كما شهدت دول مثل الهند وأستراليا زيادة في عدد السياح الذين يزورونها خلال الظواهر الفلكية مثل كسوف الشمس، ما يسلط الضوء على إمكانيات السياحة الفلكية في جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

أفق السياحة الفلكية في السعودية

تسعى المملكة العربية السعودية إلى استغلال مكانتها الجديدة في مجال السياحة الفلكية من خلال تطوير وجهات جديدة، منها منطقة البحر الأحمر التي يتم تطويرها حاليًا لتكون أكبر محمية سماء مظلمة في الشرق الأوسط.

ويعمل مطورو المشروع مع متخصصين في الإضاءة لتصميم حلول مبتكرة تحمي السماء من التلوث الضوئي، كما يتم استخدام مصابيح موفرة للطاقة وموجهة نحو الأسفل لضمان نقاء السماء.

أندرو بيتس، المدير المساعد للإضاءة في شركة البحر الأحمر الدولية، أشار إلى أهمية الحفاظ على الظلام الطبيعي، موضحًا أن المشروع يدمج أنظمة تحكم ذكية مع مصادر الطاقة المتجددة لتقليل التأثير البيئي، ويضيف بيتس: “الحفاظ على السماء المظلمة جزء أساسي من رؤيتنا المستدامة في تطوير الوجهة السياحية”.

التراث الفلكي السعودي

تاريخيًا، كانت النجوم تلعب دورًا محوريًا في حياة أهل شبه الجزيرة العربية، استخدم البدو والأنباط النجوم للملاحة ولتحديد الاتجاهات خلال تنقلاتهم في الصحراء، بل كانت هذه النجوم جزءًا من المعتقدات الدينية لديهم، حيث كان كوكب الزهرة، الذي يظهر كألمع نجم في السماء، مرتبطًا بالإلهة “العزى”، ويؤكد فيلدز أن التشكيلات الصخرية في العلا كانت ربما مواقع مقدسة لعبادة الأجرام السماوية.

آفاق المستقبل

في إطار هذه الرؤية الطموحة، تهدف السعودية إلى جعل السياحة الفلكية جزءًا رئيسيًا من استراتيجية السياحة الوطنية، فإلى جانب محميات العلا والغراميل، تواصل المملكة خططها لتوسيع هذه الوجهات الفلكية وزيادة الجهود نحو بناء بنية تحتية تدعم السياحة المستدامة، مما يجعلها وجهة رئيسية للباحثين عن تجربة فلكية فريدة في قلب الصحراء العربية.

ومع هذه المبادرات، تأمل السعودية في جذب مزيد من السياح من كافة أنحاء العالم، الذين يسعون للاستمتاع بتجربة فريدة تحت سماء مرصعة بالنجوم في واحدة من أكثر الأماكن نقاءً في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى