رمضان في المدينة المنورة.. روحانية متجددة وعادات متوارثة عبر الأجيال

تنبض المدينة المنورة خلال شهر رمضان المبارك بروحانية فريدة، حيث تمتزج الأجواء الإيمانية بعادات أصيلة ترسخت في وجدان أهلها منذ عقود، ما يجعلها واحدة من أكثر المدن جذبًا للزوار خلال هذا الشهر الفضيل.
ومع حلول المساء ورفع أذان المغرب، تبدأ المدينة الطيبة في رسم ملامحها الرمضانية المميزة، حيث تتزين شوارعها ومنازلها بالفوانيس الرمضانية وهلال الشهر الكريم، وتتعالى أصوات الأهازيج الرمضانية التي تعكس فرحة استقبال هذا الشهر المبارك.
ويحرص أهالي المدينة المنورة على إحياء عاداتهم الرمضانية التي تقوم على صلة الرحم وتبادل الزيارات بين الأهل والجيران، حيث يلتقي أفراد العائلة على موائد الإفطار الغنية بأشهى المأكولات المحلية.
ويعد التمر “العجوة” والماء والحيسة من أهم العناصر التي تزين موائد الإفطار، حيث يفضل كثيرون اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الإفطار على التمر والماء، قبل الانتقال إلى الأطباق التقليدية التي تحمل طابع المطبخ المديني العريق.
وبعد أداء صلاة التراويح، تتجلى الروح الاجتماعية المميزة للمدينة، حيث يجتمع كبار السن في جلسات المركاز داخل الأحياء الشعبية والأسواق القديمة، حيث يتبادلون الأحاديث الودية، ويسترجعون ذكريات الماضي الجميل، وهم يحتسون القهوة والشاي المديني، ويشاركون في بعض الألعاب التقليدية التي لا تزال تحتفظ بمكانتها رغم تطور الزمن.
أما الشباب، فيحرصون على قضاء أوقاتهم في ممارسة كرة القدم والكرة الطائرة في الساحات العامة، أو المشاركة في تحديات الألعاب الشعبية، التي تخلق أجواءً من التنافس والتسلية خلال ليالي رمضان.
كما يجوب البعض الأسواق الشعبية بحثًا عن أشهى المأكولات والمشروبات الرمضانية، حيث تنتشر البسطات التي تقدم أصنافًا تقليدية مثل الكبدة، والبليلة، واللقيمات، والذرة الحبش، إلى جانب المشروبات الشهيرة مثل السوبيا والزبيب والكركديه المخلوط بالورد والنعناع المديني، والتي تعد من المشروبات الأساسية على مائدة أهل المدينة خلال الشهر الفضيل.
وللحلويات المدينية نكهة خاصة خلال رمضان، حيث يحرص الأهالي على تقديم أصناف تقليدية مثل اللدو، والغُرَيِّبة، واللبنية، التي تضفي على ليالي رمضان طابعًا تراثيًا يعكس غنى المطبخ المديني وتنوعه.
وبالتزامن مع هذه العادات الاجتماعية، تزداد المدينة بهجةً من خلال انتشار المجسمات الرمضانية، وزينة الهلال والفوانيس التي تضيء الأحياء القديمة والشوارع الرئيسية، مما يمنح المدينة طابعًا احتفاليًا رائعًا.
كما يتعالى صوت الأهازيج الرمضانية التي يرددها الأطفال، الذين يجوبون الأزقة حاملين فوانيسهم الصغيرة، مرددين الأناشيد التي توارثتها الأجيال، ما يضفي أجواءً مميزة تعيد للأذهان جمال الماضي وعاداته الراسخة.
وبينما تمضي ليالي رمضان في المدينة المنورة بروحانية استثنائية وأجواء مفعمة بالمحبة والدفء، يظل هذا الشهر الكريم فرصة لتعزيز الترابط الاجتماعي والحفاظ على الموروث الثقافي الذي يميز أهل طيبة الطيبة، لتبقى المدينة المنورة واحدة من أجمل الوجهات الرمضانية في المملكة والعالم الإسلامي.