الفنون الصخرية في حرة تبوك شواهد حية على تاريخ حضارات قديمة
تعد منطقة “حرة تبوك” جنوب مدينة تبوك واحدة من أبرز المواقع التاريخية في المملكة، حيث تحمل بين طياتها آثارًا تعود إلى آلاف السنين.
تعد الفنون الصخرية التي تزخر بها المنطقة من أبرز الشواهد الحية على حضارات قديمة تمكنت من ترك بصماتها على الصخور، مشكّلة وثائق تاريخية تسرد قصصًا عن الحياة اليومية، المعتقدات، والحركات الاجتماعية التي سادت تلك الحقبة.
الفن الصخري كأداة للتوثيق
تتميز حرة تبوك بتضاريسها الوعرة وطبيعتها البركانية التي شكلت بيئة غنية بالفن الصخري الذي يعكس تفاعل الإنسان مع محيطه، ففي هذه المنطقة، قام الإنسان القديم بتوثيق مشاهد من حياته، مما جعل هذه الفنون مصدرًا هامًا للباحثين في مجال علم الآثار.
تظهر الفنون الصخرية مشاهد من الحياة اليومية القديمة، بما في ذلك مشاهد الصيد باستخدام الأدوات البدائية، إضافة إلى نقوش تمثل الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة مثل المها، الغزلان، والنمور.
هذه النقوش تقدم تصورًا دقيقًا لطبيعة الحياة البرية التي كانت تسود المنطقة في العصور القديمة، كما تعكس طرق الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي ارتبطت بتلك الفترة.
رموز ثقافية ودينية على الصخور
إلى جانب مشاهد الحياة اليومية، تحتوي الفنون الصخرية في حرة تبوك على رموز وأشكال لها دلالات دينية أو ثقافية أو ربما كانت تمثل وسومًا قبلية.
تمثل هذه النقوش صلة مباشرة بين الإنسان القديم وبيئته، وتُعد شاهدًا على طريقة تفكير المجتمعات القديمة. تساعد هذه الرموز في فهم المعتقدات الدينية، والتقاليد القبلية، وأشكال التواصل التي كانت سائدة في تلك العصور.
تبوك: نقطة عبور للتجار والقوافل
لم تقتصر أهمية منطقة تبوك على كونها مركزًا للحياة البرية، بل كانت أيضًا نقطة عبور هامة للتجار والقوافل التي مرت عبرها على مر العصور، فالموقع الاستراتيجي للمنطقة جعل منها حلقة وصل بين الجزيرة العربية ومصر القديمة، وبلاد الشام، وبلاد الرافدين، وأيضًا مناطق البحر الأبيض المتوسط وآسيا.
هذه المواقع كانت تمثل مركزًا مهمًا لتبادل الثقافات والسلع، مما جعل تبوك واحدة من محطات التجارة الرئيسية التي أثرت في تاريخ المنطقة، وعززت دورها كحلقة وصل بين العالم القديم.
آثار متعددة الفترات الزمنية
تؤكد الدراسات والمسح الأثري الذي قامت به هيئة التراث في المملكة العربية السعودية على أن تبوك غنية بالآثار التي تعود إلى فترات زمنية متنوعة، فمن الفنون الصخرية التي تعود إلى الأنباط واللحيانيين، إلى النقوش الإسلامية القديمة، تتنوع آثار حرة تبوك بشكل كبير.
من بين الاكتشافات الحديثة التي لفتت الأنظار، ما تم العثور عليه من نقوش ثنائية الخط في قرية علقان التي تعود إلى القرن الخامس الميلادي.
هذه النقوش تتكون من ثلاثة أسطر، اثنان منها كتبا بالقلم الثمودي، بينما كتب السطر الثالث بالخط العربي المبكر، ما يعكس تزامنًا تاريخيًا فريدًا بين الكتابات الثمودية والعربية المبكرة.
دلالات علمية جديدة على تاريخ الكتابة
تعتبر هذه الاكتشافات العلمية بمثابة رؤى جديدة حول تطور الكتابة في المنطقة، حيث أكدت النقوش على أن الكتابة بالقلم الثمودي كانت لا تزال معروفة حتى القرن الخامس الميلادي، وهذا يفتح آفاقًا جديدة لفهم تطور الخطوط الكتابية في المنطقة وكيفية تأثير الخط العربي المبكر على الكتابة الثمودية.
أهمية الفنون الصخرية في دراسة التاريخ
توفر الفنون الصخرية في حرة تبوك معلومات هامة للباحثين والمؤرخين في دراسة التاريخ الإنساني، فهي ليست مجرد نقوش على الصخور، بل هي وثائق حية تسرد قصص حضارات قديمة وطرق عيش الإنسان في العصور الماضية، كما أن هذه الفنون تمثل أداة فاعلة في فهم تطور المجتمعات ومدى تأثير البيئة المحيطة على الفكر الإنساني.
تعتبر حرة تبوك اليوم واحدة من أهم المواقع التاريخية التي تعكس تطور الإنسان القديم في الجزيرة العربية. ما تحمله من فنون صخرية ونقوش تاريخية يجعلها مرجعية هامة للباحثين في علم الآثار والتاريخ الإنساني.
ومن خلال الاستمرار في دراسة هذه الآثار، يتمكن العلماء من كشف المزيد عن ثقافات وحضارات سادت في المنطقة، وتساهم في إثراء معرفتنا بتاريخ الشعوب التي سكنت هذه الأرض منذ آلاف السنين.