رحلة نجاح سلسلة مطاعم البيك.. من مستودع صغير إلى قمة صناعة الوجبات السريعة
من منا لم يسمع عن سلسلة مطاعم “البيك” الشهيرة، التي حققت نجاحاً باهراً ليس فقط في المملكة العربية السعودية، بل في مختلف الدول العربية؟ كانت الرؤية التي قادتها بسيطة ومباشرة، ترتكز على تقديم وجبات سريعة ذات جودة عالية وبأسعار معقولة، مع الحفاظ على نظافة الخدمة والتميز في تقديم الطعام.
ومع ذلك، وراء هذا النجاح الهائل قصة مليئة بالتحديات والعقبات التي واجهها مؤسس السلسلة، شكور أبو غزالة، وأبناؤه الذين واصلوا المشوار بعد وفاته.
البداية المتواضعة
عام 1974، كانت بداية الحلم حين قرر شكور أبو غزالة، رجل الأعمال الفلسطيني الأصل والسعودي الجنسية، أن يفتتح مطعماً صغيراً في جدة.
جاء قرار شكور بدخول عالم الوجبات السريعة بعد ملاحظة قلة المطاعم التي تقدم وجبات سريعة وصحية في السعودية، وخاصة مع تسارع وتيرة الحياة وازدياد الحاجة إلى طعام جاهز يلبّي احتياجات الناس العاملين.
في بداية المشروع، وقّع شكور اتفاقية مع شركة فرنسية متخصصة في معدات وخبرات إعداد الدجاج المقلي المعروف بـ”البروستد”.
وكان المطعم يعتمد على تقديم الطعام بطريقة نظيفة وصحية، وهي ميزة نادرة في ذلك الوقت. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها في البداية، لم يكن الإقبال على المطعم مرتفعاً، حيث لم يتجاوز عدد الزبائن 100 زائر في السنة الأولى.
التحديات المبكرة
عندما توفي شكور أبو غزالة بعد عامين من افتتاح المطعم، ورث أبناؤه – رامي وإحسان – مطعماً غارقاً في الديون، ووسط ضغوط البنك والمطالبات بسداد الديون المتراكمة، قرر الأبناء بيع كل ما يملكون من ممتلكات وإعادة تشغيل المطعم بأنفسهم، كانوا يعملون بأيديهم، يقدّمون الطعام للزبائن ويعملون في الكاشير، وكانت الظروف صعبة للغاية.
إلا أن عزيمتهم لم تتوقف، بل تمسكوا بحلم والدهم في تحقيق النجاح. وبمرور الوقت، استطاع الأخوان إعادة إحياء المطعم وتحويله إلى مشروع مربح، وكان أول إنجاز كبير لهم هو سداد كافة الديون، ومن ثم التوسع تدريجياً حتى وصلوا إلى افتتاح 220 فرعاً في مختلف أنحاء المملكة.
التوجه نحو التميز
إصرار رامي وإحسان أبو غزالة على النجاح بعد وفاة والدهما دفعهما إلى التفكير في كيفية تمييز سلسلة مطاعم “البيك” عن غيرها من المطاعم المنافسة، خاصة في ظل وجود حوالي 400 مطعم آخر في جدة فقط يقدم دجاج البروستد. كان التحدي الرئيسي هو كيفية جعل “البيك” وجهة مفضلة للزبائن.
سافر إحسان إلى باريس لتعلم علوم الغذاء وتطبيق الأنظمة التي تحقق الجودة في تقديم الطعام. وبعد عودته، عمل على تطوير وصفة سرية جديدة تميز نكهة البيك عن غيره، ولكن التحدي الأكبر كان في تحسين تجربة العملاء. فبدأ الأخوان بتدريب الموظفين على تقديم خدمة متميزة وتنظيم العمل بطريقة تضمن رضا الزبائن.
النجاح المدوي
عام 1986، قرر رامي وإحسان الانفصال عن العلامة التجارية الفرنسية وابتكار اسم جديد لسلسلتهم، فكان اسم “البيك” هو الخيار الأمثل، ليعبر عن الهوية الفريدة للمطعم، ومنذ ذلك الحين، بدأت سلسلة البيك تشهد توسعاً سريعاً ليس فقط في السعودية بل في عدة دول عربية أخرى، مثل مصر، الإمارات، والبحرين.
اليوم، يُعتبر “البيك” واحداً من أكثر سلاسل المطاعم نجاحاً في المنطقة، حيث يحتل المرتبة السادسة عالمياً بين مطاعم الوجبات السريعة خارج الولايات المتحدة الأمريكية. ويعود هذا النجاح إلى الالتزام بالجودة العالية والابتكار المستمر في تقديم الوجبات السريعة، مع الحرص على رضا العملاء.
أسرار النجاح
يمكن تلخيص أسرار نجاح سلسلة البيك في مجموعة من الركائز الأساسية التي جعلتها تتفوق في سوق المنافسة الحاد:
الجودة العالية للمنتجات: حافظت البيك على تقديم وجبات شهية ومتقنة لا تتغير نكهتها بمرور الزمن، مما جعل الزبائن يثقون في العلامة التجارية.
التركيز على رضا العملاء: كان شعار رامي وإحسان منذ البداية هو أن يكون العميل دائماً محور الاهتمام، لذلك اهتما بتقديم أفضل خدمة ممكنة وتطوير أداء العاملين باستمرار.
المسؤولية الاجتماعية: انتهجت البيك سياسة التبرع بريال عن كل وجبة تُباع لدعم الفئات المحتاجة، مما عزز من ارتباط العلامة التجارية بالمجتمع المحلي وزاد من شعبيتها.
الابتكار المستمر: سواء في تطوير نكهات جديدة أو تحسين الخدمة، كانت البيك دائماً سبّاقة في تقديم ما هو جديد ومبتكر.
قصة نجاح “البيك” ليست مجرد قصة عن النجاح في عالم الأعمال، بل هي مثال حي على قوة الإرادة والتفاني والعمل الجاد، من مستودع صغير في جدة، استطاع رامي وإحسان أبو غزالة أن يحققا حلم والدهما ويجعلا “البيك” علامة تجارية عالمية تحظى بالاحترام والاعتراف.