مدونة

عبد الله محمد العفاسي يكتب: لماذا يسافر الكويتيون…؟

يحتل السائح الكويتي مرتبة متقدمة جداً في مؤشر السياحة العالمية، حتى أن بعض المراكز البحثية خلُص إلى أن السفر لخارج البلاد أمرٌ شبه روتيني لدى المواطنين الكويتيين في مختلف العطل والمناسبات.

ووفقاً لإحصائيات في قطاع السياحة والسفر تقارب التكلفة الوسطية لرحلة السائح الكويتي نحو 10 آلاف دولار، حيث ينفق 4 أضعاف ما ينفقه السائح الأوروبي ما يجعله على رأس قائمة السائحين الأعلى إنفاقاً في العالم، لذا تجد السائح الكويتي محط اهتمام كثير من الدول المشهورة بالسياحة.

وتتعدد وجهات سفر الكويتي وتختلف أهداف رحلاته والبلدان التي يقصدها في ظل ما يتمتع به من ثقافة سياحية عالية نتيجة كثرة سفره وشغفه المستمر بالهجرة الموسمية، فعند قدوم العطل المهمة وأهمها فصل الصيف، يبدأ غالبية المواطنين بحجز تذاكر السفر خارج الديرة.

وبالطبع، لا يمكن ربط هذه الحالة الخاصة التي تميز الكويتي وتشبه الهروب الجماعي بموسم الصيف الحار فقط كما يعتقد البعض، فبعض الوجهات التقليدية التي يقصدها الكويتيون تشمل دول الجوار التي يتطابق مناخها شديد الحر مع الكويت فيما لا تشبه مرافقها السياحية والترفيهية الغنية والمتنوعة مرافق الكويت الفقيرة والمحدودة.

ولذلك، يعد قطاع السياحة والسفر من القطاعات الحيوية المهمة التي تحتاج إلى اهتمام حكومي أوسع وبحدود تجعل تطوير هذا المرفق أولوية، بجانب تنمية وإقرار القوانين التي تساعد على نمو القطاع السياحي الداخلي بآليات عمل مستدامة ومتجددة وبإجراءات مشجعة وفي مقدمتها سهولة الحصول على التأشيرة السياحية.

ويتطلب ﺫﻟﻙ ﺃﻥ تكون تنمية السياحة الداخلية ﺃﺣﺩ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﻣﻔﻬﻭﻡ التنمية السياحية ﺍﻟﺫﻱ ﺗﻌﻣﻝ الحكومة ﻋﻠﻰ ترسيخه، ﻭﻣﻥ ﺛﻡ ﻣﺭﺍﺟﻌﺔ السياسات ﺍﻟﻬﺎﺩﻓﺔ ﺇﻟﻰ تنشيطها، وتركيز الجهود ﻋﻠﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ المرافق ﺍﻷﺳﺎﺳﻳﺔ.

ومن باب المحاكاة التي تعزز أهمية التحرك الحكومي الجاد لتنمية السياحة الداخلية بإستراتيجية تنمية مستدامة التجارب الخليجية التي حقّقت سلسلة نجاحات بالقطاع السياحي وفي مقدمتها السعودية التي تصدّرت قائمة الأمم المتحدة بالنسبة لنمو عدد السياح الدوليين بنهاية العام الماضي مقارنة بعام 2019، محققةً ارتفاعاً بنسبة 56 %، فحسب بيانات البنك المركزي السعودي ارتفع إنفاق السائحين القادمين إلى المملكة 42.3 % في 2023 مقارنة بالعام السابق، ليسجل رقماً قياسياً جديداً بلغ 135 مليار ريال.

فبعيداً عن الحرارة الملتهبة التي تشجع على السفر للخارج يتم تغذية الشغف الكويتي بالسفر والسياحة بأكثر من اعتبار من بينها ضعف مستوى السياحة الداخلية وإن جاز القول انعدامها.

فالكويت ورغم ما تتمتع به من معالم سياحية جاذبة تفتقر للمرافق السياحية والترفيهية القادرة على جذب الكويتيين والمقيمين لدرجة إقناعهم بقضاء إجازاتهم في الداخل بدلاً من السفر للخارج.

فضلاً عن ذلك، لا تناسب تكلفة المرافق السياحية المتوافرة جميع الكويتيين والمقيمين خصوصاً أصحاب الأسر والدخول المتوسطة الذين يضطرون لتخصيص جزء كبير من رواتبهم لزيارة بعض المعالم المحلية ولو شهرياً. وما يؤكد ضعف المرفق السياحي الداخلي ما ذكره تقرير تنافسية قطاع السفر والسياحة العالمية في عام 2017، حيث أشار إلى أن الكويت حلّت في المرتبة الأخيرة خليجياً والـ11 عربياً. فيما جاءت بالمركز 100 عالمياً من أصل 136 دولة.

ويمكن القول إنه منذ صدور هذا التقرير حتى الآن لم تُظهر البلاد تحسناً يذكر في الأداء السياحي والترفيهي وفق المؤشرات الرئيسية لصناعة السياحة والسفر باستثناء بعض التجارب الموقتة والتي لا تناسب تكلفتها ووسائلها مقدرة واحتياجات جميع المواطنين والمقيمين.

واقتصادياً تتنامى أهمية تطوير وتنمية المرفق السياحي الداخلي، فمن ناحية يساعد ذلك في استقطاب شريحة واسعة من الكويتيين محبي السفر القادرين على الإنفاق بالخارج، ومن جهة أخرى يلبي احتياجات شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين غير القادرين على السفر لكن ذلك يتطلب أن تتضمن الخريطة الحكومية في هذا الخصوص توفير مرافق سياحية وترفيهية جيدة وجاذبة للمواطنين وغير المواطنين تناسب جميع الإمكانات.

علاوة على ذلك، يسهم تحسين البيئة السياحية الداخلية في جذب السياح من الخارج فضلاً على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية التي يستهدف أصحابها الاستثمار بهذا القطاع، ما يستقيم مع خطط الحكومة في تنويع مصادر الدخل العام، فمن خلال تحقيق تنمية سياحية داخلية مستدامة تزداد مداخيل الدولة غير النفطية.

ويكفي الإشارة إلى حجم الانفاق الكويتي الباهظ على السياحة الخارجية بأنه وفقاً لإحصاءات سابقة للمجلس العالمي للسياحة والسفر، أنفق الكويتيون نحو 7 مليارات دولار عام 2014، مقابل 4.6 مليار دولار في 2013، وخُمس الإنفاق يذهب إلى الفنادق والنسبة الباقية إلى تذاكر الطيران والترفيه والطعام.

الخلاصة:

رغم أن سفر المواطنين للخارج ينعش قطاع الطيران، إلا أنه يسهم في خروج العملة الصعبة للخارج مع إنفاق ملايين الدنانير على الرحلات والسفر، ما يستوجب على الحكومة وضع خطط تنعش السياحة الداخلية وتعزّز من إنفاق الكويتيين في داخل البلاد بشكل يدهم الاقتصاد الداخلي. وبجردة بسيطة لمعالم الكويت السياحية القديمة والتي يأتي على رأسها سوق المباركية وأبراج الكويت حتى «حولي بارك» يتضح أن تنمية السياحة الداخلية كانت من أهم مستهدفات صانع القرار الكويتي في بداية النشأة ما أسهم في جعل الكويت على رأس قائمة السياحة بالخليج بخلاف تصنيفها المتأخر حالياً.

وفيما يواجه قطاع السياحة والسفر في الكويت عدداً من التحديات والمعوقات، إلا أن أُم هذه المشاكل تأخر وجود رؤية متكاملة وواضحة لدى الحكومات السابقة للارتقاء بهذا القطاع، ليأخذ مكانه في دعم الاقتصاد القومي ما يستوجب من الحكومة الحالية التعجيل بمستهدف تطوير السياحة الداخلية بخطة متكاملة لتصبح نقطة جذب جديدة للسفر، وبما يضمن راحة المواطنين والميزانية العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى